تخطى إلى المحتوى

المشهد الفلسطيني (قبل) الاخير

ما تشهده الساحة الفلسطينية بات يشبه فصلا أخيرا في مسرحية طويلة فقدت عنصر التشويق وانهارت حبكتها واستنزف الممثلون فيها كل طاقاتهم حتى اصبحوا مبتذلين . او ربما يشبه الحال الفلسطيني لعبة شطرنج سقط فيها معظم الجنود وتهاوى الوزراء ووقعت القلعة ولا يزال الملك يناور من مربع امن الى احر بينما يلاعبه الغريم الذي ينتظر “كش ملك” بملاعبة تشبه تلك التي يقوم بها القط للفأر بعد التأكد انه بات في يده.

لم يعد هناك مجال للتكهنات او قراء ة للموقف اكثر وضوحا. او بالاحرى لم يعد هناك موقف اصلا .

شهدت الساحة الفلسطينية في العامين الاخيرين تقلبات حاسمج كان من شأنها التقدم على الاقل نحو حل به بعض الامل في بعض العدل لهذا الشعب قدمه الشعب للمفاوض الفلسطيني واصحاب المطبخ السياسي على طبق من ذهب. بدء من العدوان على غزة الذي كانت نتيجته دمار لا تزال اثاره على الارض افرز شتات جديد لعشرات الالاف من اهل القطاع وزاد من نسبة العاهات الجسدية لمن لم تطل الغارات حياته ووصل الشعب المنهك بين حصار وانفاق وخناق الى ذروة التجويع والبطالة . في المقابل كان فضح ما قامت به اسرائيل من عدوان وحشي وقتل ودمار وخراب قد وصل الى ذروة التوثيق ووجدت اسرائيل نفسها مكشوفة امام العالم في مشاهد هزت قلوب الاقطار حتى ادنى الارض.

ولم تمض بضعة شهور على ما ظهر من وحدة فلسطينية حتى تحول الامر الى اقتتال داخلي على توزيع اموال الحرب بين ارباب السلطة الفلسطينية وكأن الدم الذي اغرق شوارع غزة بقايا يوم ماطر اخر.

بين غزة ورام الله وبين تنكيل اسرائيل لم يزحم الانسان الفلسطيني في اي مكان كان للحظات سابقة يبدو امنا ، زاد احتقان الانسان الفلسطيني القابع بين حلم دولة ال الى كابوس محقق على ايدي اهل السلطة (من حماس الى فتح) وبين احتلال اعدت له الاحداث فرصة لتجسيد هدفه بالتطهير العرقي لهذا الشعب .

هبة تشرين من عام ٢٠١٥ ، من ثورة سكاكين ودهس قد تكون اكثر المشاهد تعبيرا عن انتهاء الانسان الفلسطيني الى حالة من اليأس التي لم يوقفها الا الموت . فهانت على الفتيان والاطفال من ذكور واناث احلام لمستقبل كان فيه تمني لدولة تسعى الى الحرية الى رمي محتم نحو اخرة محتسبون انفسهم شهداء عند الله .

كم التضحيات التي استمر الشعب بتقديمها مقابل اهتراء في السلطة آوصلنا الى هذه اللحظة من الانهيار . فلم يعد هناك شعب ينتظر اي امل في يوم افضل ، ولم تعد هناك سلطة تستطيع ان تقدم اي شبء لنفسها او للشعب او للقوى المتحكمة بالمشهد النهائي .

قد تكون الانتخابات (البلدية) التي تم تأجيلها ما يمكن ان نسدل فيه الستار الاخير للمسرحية الفلسطينية التي تحولت امام اعيننا من دراما لتراجيديا الى مهزلة . ان تشتعل الساحة الفلسطينية على مدار شهرين من اجل انتخابات مجالس محلية وكأنها انتخابات عامة كان مأساة في حد ذاته . فالشعب الفلسطيني ينتظر انتخابات تشريعية وعامة منذ اكثر من عشر سنوات حتى وصل الى قناعة بأنها لن تأتي ابدا. فكانت الانتخابات المحلية كالحقنج التخديرية لقياس مدى فاعليتها على الارض ، قد تكون الارادة منها لمن يضعون المصير الفلسطيني في مشاهد استعدادية لحسمه هي فرصة لتقسيم ما تبقى من ارض السلطة (التي لا تتجاوز التي لا تتجاوز الخمسين بالمئة من ال ٢٣٪ من تقسيم فلسطين باوسلو ) الى اقاليم في الشمال (نابلس،جنين ،طولكرم..) والجنوب (الخليل ،بيت جالا،بيت لحم….) والوسط (رام الله العاصمة) وقطاع غزة . فالانتخابات المرتقبة (التي تم تآجيلها ) اكدت ان هذا الشعب مكون من قواد . الكل يرى في نفسه القائد الاكبر لعشيرته ضمن هذا الفصيل او ذاك . انتهى الوطن في حصول من وجد نفسه الاصلح (وهم كثر) على مقعد بلدي يمكنه من تولي امر القطيع في منطقته .

حتى هذا لم يكن من الممكن تحقيقه في ظل التناحر بين الفصيل نفسه (وهنا الحديث عن فتح) في التزاحم نحو منصب قادم.

في ظل هذا كله يبقى “الملك” ومصيره هو السؤال الشاغل . فان لم تنجح محاولة الانتخابات المحلية بافراز قيادات اقليمية في المناطق المختلفة ، لا بد من الرجوع للسؤال الاهم . فأبو مازن يجب ان ينتهي زمنه في لحظة ما ، ان لم يكن لمرور اكثر من عشر سنوات على حكمه بلا حصول على اي تقدم في الساحة السياسية . فلم يعد بحوزته ما يقدمه لارباب السياسة الدولية والاقليمية من تنازلات او ابقاء الوضع على ما هو عليه . فالشعب محتقن غاضب ، محاط باحتلال لا لا يتوانى عن تصفيته في كل لحظة متاحة. وسلطة وطنية لا تحمل من الوطنية الا السم اصبحت اداة تنسيقية لامن الاحتلال ودك فيها الفساد لدرجة غير مسبوقة في كل مؤسساتها وهيئاتها .

وعليه لا بد من الرجوع الى التركيز على المربع الاخير المتبقي …. “الملك” ومن سيخلفه قبل تحريك الحجر الاخير ،”كش ملك” .

وهنا حتى القواعد اختلفت ، فالمطلوب “ملك” يتم التوافق عليه قبل “كش” الملك الحالي. قد يكون ابو مازن اوصل نفسه الى هذا المكان الذي لم يعد هناك بالفعل امامه ما يفعله . فشعبيته لا تخرج عن المنتفعين المقربين من السلطة وبداخلها . وصمته تجاه كل المجريات وتدخله المتأخر دائما وسط يبدو من استشارات للفيف مستشارين يتزايدون بالاعداد يتزاحمون على اعطاء نصائح (ربما) اسفرت عن ما الت اليه الامور …

تعود الدوائر المختلفة داخليا وخارجيا بطرح السؤال “آلكوني ” من جديد . من سيخلف ابو مازن في اليوم التالي لخروجه (بأي شكل ) من السلطة؟ ولا تزال الاسماء المطروحة هي نفسها . فالفصيل المسيطر هو فتح ، والكلام هنا عن الضفة . وكأن أمر غزة حسم لحماس بطريقة او بأخرى .

ففتح مكونة من مراكز قوة بما يسمى “بالمربع الامني ” من الرجال الاقوياء الذين يتم طرح اسمهم دائما كبديل للرئيس في اللحظة الحاسمة . الرجوب ( رئيس الامن الوقائي في الضفة في عهد عرفات ) ،الدحلان (رئيس الامن الوقائي في غزة في عهد عرفات ) ، الطيراوي (رئيس المخابرات السابق) ، وفرج (رئيس المخابرات الحالي) . الرجوب والدحلان يبدوان الاسماء الاكثر قوة من حيق تأثيرهما وامتداد سيطرتهما وخضرمتهما السياسية وفهمها الاوسع لكافة اطراف اللعبة السياسية الدولية والاقليمية . وبالتالي كذلك ، فان الطيراوي وفرج لا يشكلا الا متداد ما لاحد قطبي (الرجوب ـالدحلان ) القوة الامنية .

تبقى المشكلة في الاسماء المطروحة في مدى تأثيرهم الفعلي على الشعب وليس على مناطق تأثيرهم . وهنا يدرك جميعهم بأن قاعدتهم الشعبية لا تتعدى انصارهم . وقد يدرك الجميع بأن الانتخابات في حسمها تحتاج الى كل اولئك غير التابعين .

في محيط هذه الدائرة من الاسماء هناك اسماء يتم طرحها لا يوجد عليها تخوف شعبي مدعومة بقاعدة شعبية لنقل غير سلبية ، تتمثل في مروان البرغوثي(الاسير في سجون الاحتلال الاسرائيلي ) ، وناصر القدوة (ابن اخت الرئيس السابق عرفات) . الا انه لا يخفي على احد عدم قوة الشخصين الحقيقية ، فالاول قضى اكثر من عقد في السجن ولا يزال ينتظر حكما بثلاثة عقود اخرين. قد يشكل خروجه علامات استفهام كثيرة. والاخر دبلوماسي ليس له الكثير في دهاليز اللعبة السياسية وقذوراتها .

فتبقى موازين القوة بين الدحلان والرجوب حتى ولو تم الاستثمار برئيس اخر سيكون من صناعة احدهما .

وفي النظر الى الشخصين فهناك كذلك صعوبة ، لا بد ان الاثنين على دراية بها في قرارة انفسهما ، على الرغم انه وبلا شك ، هناك دعم اعمى لهما من قبل الموالين لهم ودوائرهم المغلقة في حثهم والتأكيد لهم بأن الساحة مهيأة لهم.

قد يكون انشغال الرجوب في الرياضة بالسنوات الاخيرة اعطاه الفرصة لتغيير النظر فيه . الا انه استطاع ان يغير التفكير بالرياضة . وبلا شك جعل من الرياضة الفلسطينية حضورا قويا وفاعلا علي الساحج الفلسطينية والدولية لم تكن بهذا الزخم من قبل.

وقد يكون الانقلاب علي الدحلان من قبل فتح (فرع الرئيس) وخلعه من مناصبه الحركية وخروجه من رام الله اعطاه قوة اكبر . فمن جهة لم يعد الدحلان هو الملام المباشر لكل ما يجري بالساحة الداخلية، كما كان الوضع من قبل. ومن جهة ثانية خروجه اعطى المجال للنسيان بعض الشيء . فتاريخ دحلان بشأن غزة اسود في نظر معظم الفلسطينيين. وقد يكون شدة الهجوم عليه وتحميله كل الجرائم ووزر ما الت اليه الامور منذ الانقسام يصب في مصلحته عند مراجعة الوضع لمن يريد التعقل في مسألة الحال الفلسطيني . فكم التهم التي يسمعها الانسان الفلسطيني عن الدحلان تبدو اسطورية . وكذلك تبقى احجية اتهامه بالضلوع بمقتل عرفات وتمكنه من الفوز بقوة بانتخابات فتح السادسة منذ اعوام .

هناك كذلك الحديث عن انعقاد مؤتمر فتح السابع لاجراء انتخابات تفرز من خلالها فتح قائدها وبالتالي الرئيس الفلسطيني القادم . ومن اجل هذا نشهد سباق غير معلن وتحضيرات بالخفاء للمرحلة القادمة التي باتت وشيكة جدا .

تكمن المشكله بالعقلية الفلسطينية (وهنا التركيز على فتح) بعدم التمكن من رؤية المشهد خارج اطارها . ففتح ترى الشعب الفلسطيني فيها ، وهذا لم يعد صحيحا او قريبا حتى من الحقيقة . فقد تزاحم حماس وبقوة في مكان ما ، الا حماس ليست في وضع افضل من فتح اذا ما نقلنا ما يعيشه الانسان الفلسطيني في غزة الى حيز النقاش.

ويرفض او ربما لا يرى اي مكانا لحركة سياسية حديدة ، فكلا الحركتان تريان في نفسهاالقوة المحصنة لافرادها . قد تضمن فتح وكذلك حماس اصوات مواليها ،الا ان هناك الشعب المستاء تماما من الفصيلين ، وقد يكون هذا سببا اساسيا في عدم تمكن التفكير في انتخابات قادمة .

ولربما نظل نراوح في نفس المشكلة اذا ما نظرنا الى المرشحين المحتملين . تبقى المشكلة بأن كل يكتفي بقاعدته ويظن ان الشعب مختزل في جماعاتهم. فلا يوجد ادنى محاولة بالتغيير او التقدم نحو الشعب الذي ليس بالضرورة مع او ضد اي من الفصيلين . فكل شخص مستأمن على نفسه بداخل دوائره الامنة.

وبينما تقترب اللحظة الحاسمة ، التي قد تكون كذلك ليست بالقرب المتوقع ، لأن البحث الجاري عن رئيس لا يكاد يقترب من الحسم حتى نراه يذهب ادراج الرياح .

وقد يكون هناك مخرجا للرئيس ابو مازن الان في الدعوة الى انعقاد فوري للمجلس الوطني الفلسطيني (الذي اصبح كذلك شكليا) واعطائه زمام الامور والانسحاب قبل فوات الاوان . فلقد وصل ابو مازن لمرحلة لم يعد هناك ما يخرج ليقوله للشعب . ما جرى في حروب فصائل فتح في الشهر الماضي في نابلس ،كان اغرب ما فيه هو عدم صدور حتى بينا من الرئيس . في حين تعودنا على ظهور الرئيس وطرحه افكارا للشأن الاسرائيلي.

الرجوب لم يكن موفقا في لقائه التلفزيوني الاحير على قناة اون الفضائية ،في ما بدا كذلك ظهورا انتخابيا ، الا ان ما جرى بعد ذلك من ردود افعال بعد عبارة وصف فيها المسيحيون على انه “جماعة الميري كريسمس” اكد بأن قاعدته الشعبية مهزوزة ولا تكاد تكون موجودة.

يبقى الدحلان على رقعة الشطرنج لا يعرف احد بأي شطري اللعبة يقف ، ومتى سيقوم بالتقدم نحو الحركة الاخيرة

2 فكرتين بشأن “المشهد الفلسطيني (قبل) الاخير”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading