Skip to content

الغاء القاهرة جلسات الحوار الفلسطيني… قد يحمل عظة لمن يتعظ 

الغاء القاهرة جلسات الحوار الفلسطيني… قد يحمل عظة لمن يتعظ 

ها نحن انتهينا من شهر العسل الذي صاحب احتفالات الانتصارات والفتوحات لنستيقظ على الحقيقة كما هي. حقيقة الازمة الفلسطينية التي تشكلها قيادتها. قيادة حزبين حاكمين يتحكمان في شطري الوطن المنقسم المشتت المحتل. لا اعرف ان كان كل ما يجري كفيلا بأن يتيقن الشعب ان لا امل في قيادة لا تفكر الا في سطوتها وسيطرتها من اجل بقائها على حساب الشعب. 

بين قيادة في غزة تعيش نشوة الانتصار وتصدقه، وقيادة في الضفة تعيش على اطلال وجودها بدعم دولي، تتوه منا مرة أخرى الحقيقة ويتمثل الواقع امامنا كما هو: واقع تعتصره أطماع القيادة فينتج شعبا بائسا تسحقه قيادته. 

لقد صدقنا فعلا، وسنبقى نصدق ان قوتنا في وحدتنا. ان القضية الفلسطينية حية بشعبها لا بقيادتها. ان أحلام ورهانات قادة إسرائيل السابقين والحاليين والقادمين لن تتحقق باختراق هذا الشعب كليا بمسح ذاكرتهم بفرض الامر الواقع ولا كي وعيهم بإبقاء سلطات فاسدة غير فاعلة لتدير امره وتلهيه في تأمين قوت يومه. 

لطالما هناك احتلال يقمع ويصفي ويظلم، ستبقى العنصرية (الممارسة ضدنا) هي المحرك لردة الفعل التي سنستمر بعيشها كما في القدس. وعليه ستبقى القدس النبض الحي لوعي الانسان الفلسطيني أينما كان. وعليه، ستبقى هذه القضية حية رغما عن الاحتلال والقيادات المتواطئة المنتفعة أينما كانت. 

ينتصرون على حسابنا، على نضالنا، على تضحياتنا، على فناء شبابنا بالسجون، على دماء أبنائنا. يسجلون نقاط مفاوضاتهم ومناوراتهم لينتصروا لمصالحهم، ونكون نحن دوما عنوان منافعهم. 

لم يكن غريبا ان تجهض حوارات القاهرة قبل بدئها. فكما استغربنا عودة القاهرة للمشهد بهذه الفاعلية، ربما كان خروجها من المشهد بهذه السرعة بهذا الشأن أكثر غرابة. فنحن لم نعتد الجدية منذ تحولت القضية الفلسطينية الى اقتسام أحزاب على السلطة. فكيف لنا ان نتوقع الجدية من أي طرف، وأصحاب القضية منغمسون في اقتتالهم الداخلي على اقتسام السلطة والوطن حسب مصالحهم؟ 

لا اشك ان عودة مصر القوية للمشهد بأموال طائلة مشوب بتساؤلات ستتكشف الأجوبة عليها بالتوالي، ولكني مع هذا اعتقد ان وجود مصر مهم كراعي لهذه القضية. فنحن لا نقوى على رعاية شؤوننا، والحق اننا لا نثق بمن يرعى شؤوننا، فالقوى الإقليمية والدولية تضعهم على الأقل عند بعض المساءلة الممكنة او المحتملة. ولكن قرار مصر بإلغاء او تأجيل اجتماعات الحوار التي كانت مقررة هذا الأسبوع مهم جدا، وكأن مصر تقول: لا اريد إضاعة الوقت بفتح غرفة عمليات من اجل ولادة ما هو ميت. هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يريد أصحاب السلطة انجابها، مولود ميت. لا يريدون من يشاركهم في ميراث هدروه أصلا. 

هذا هو المشهد الحقيقي الوحيد: القدس وحيدة امام افتراس الاحتلال الإسرائيلي. تبجح وقمع يذكر البعض ببدايات الاحتلال في ال ١٩٤٨، وفي ١٩٦٧ وما تلاهما من عمليات قمع ممنهجة بعد كل هبة شعبية حقيقية. اعتقالات وإصدار أوامر مصادرة وهدم وتنكيل بالمتظاهرين لا اصفه بالغير مسبوق، ولكنه بالتأكيد متفاقم الابعاد. فإسرائيل حرصت على تبييض وجهها امامنا كشعب في السنوات الأخيرة لنفاضل احتلالها على سلطة فاسدة. وما جرى منذ الدمار الأخير الذي خلفه العدوان على غزة كان محاولة تدمير ما لم تدمره الصواريخ في غزة، بالتنكيل بسكان القدس وفلسطين الداخل بالمزيد من المخالفات والمحاكمات والاعتقالات وشد الخناق. طريقة لا اعرف من السباق فيها، إسرائيل ام السلطة. لأن السلطة في الضفة لم تتوان عن اعتقالات الشبان والمتظاهرين ورصدهم، بل والتنكيل بهم في معتقلاتها الأمنية. 

غزة تلملم دمارها والضفة تلفظ أنفاسها. 

وفتح وحماس تحاولان السيطرة على الأموال التي يمكن ضخها من جديد لتعيد كل منهما شرعيتها. وكأننا كشعب امام عملية خطف. إسرائيل تستمر في بسط نفوذها على الأرض: بناء مستوطنات، شوارع التفافية ضخمة، جسور وأنفاق، اقتحامات، قتل، اعتداءات في عقر منافذ السلطة. وفتح وحماس تتنازعان في حرب شبه باردة على من له الحق في اقتسام النصيب الاكبر من أموال الاعمار. 

ربما الإضاءة الوحيدة في هذا المشهد هو تيقن الجميع ان الوضع الحالي لا يمكن الاستمرار به على هذا النحو. وان استمر، لا يمكن إضفاء شرعية عليه حتى بشهادات زور. لأن الوضع وصل بالفعل الى الحضيض. 

محاورات القاهرة التي تم فضها بنيت على باطلين: باطل فتحاوي حمساوي، يرى كل منهما فيه قوته امام ضعف الاخر: فتح تجد نفسها الممثل التاريخي للشعب على الأرض، وحماس ترى نفسها من أعاد للمقاومة تاريخها الضائع. وباطل فصائلي لفصائل لا يعرفها الا أصحابها لا تأثير لهم ولا وجود الا في هكذا اجتماعات. 

فتح صر على أهميتها، هي كذلك، ولكن الأهمية لا يمكن استمرارها بالتمني. ففتح تخسر في كل يوم من كل الاتجاهات، وبات اصلاح البيت الفتحاوي أصعب على فتح من اصلاح البيت الفلسطيني عامة. فلقد بدأ التمزق في فتح ليبرز الشروخ التي لن تتوقف عند ما شاهدناها وقت الانتخابات المجهضة، فلقد فتحت هذه الخلافات على اقتسامات السلطة وتوزيعها بداخل فتح شرها وجشعا لن تشبعه بعض الفتات. وأبو مازن يبدو وكأنه في عزلة أكثر من أي وقت، لا يحارب الا من اجل بقائه الشخصي بالفعل. تتوضح سماته الدكتاتورية وتأخذ الشكل النهائي لأسلوب حكمه. مبدأ انا وبعدي الطوفان شعاره الوحيد وعلى كل الأصعدة. استطاع ان يبقى منذ توليه الرئاسة وسيستمر لطالما يسمح له الجميع بذلك: الشعب، اقطاب حزبه المركزيين، إسرائيل، ومحاور القوة الامريكية والنفطية.  وحماس، تسوق نفسها بأساليب جديدة، تجد من يصدق تغيرها مؤقتا، وتروج استئثارها بالمقاومة. تداعب لغة إسرائيل وامريكا والغرب تارة بخطابات مدروسة الإيقاع وملابس على الموضة، وتؤجج المشاعر القومية بخطاب المقاومة. 

الحقيقة واحدة: الشعب يدفع الثمن من تقدمه وتطوره ووجوده. يدفع الثمن بدم أبنائه وحريتهم وصحتهم. وأصحاب القوة بالحزبين لا يرون الا مصالحهم ومستعدون للمضي قدما بالحرب الضروس حتى اخر مواطن فلسطيني، مادامت مصالحهم محفوظة. 

لا تزال إمكانية اصلاح ذات البين الفلسطيني في حوار وطني تصالحي حقيقي، يضم المجتمع الفلسطيني بفئاته التمثيلية الحقيقية لا الاستعراضية من اجل تمكين الحزب الحاكم أيا كان موقعه. القضية الفلسطينية لا يجب ان تبقى مرتهنة بمصالح بقاء حزب او شخص. يجب ان تكون القضية هي الوطن. الوطن الجامع بناسه لا بقيادات تحتمي بالشعب من اجل ثراء أصحابها وجوع المواطن وعوزه. 

لقد حولتنا هذه القيادات لشعب يعيش على المساعدات. بدلا من حل قضية المخيمات واللجوء تحولنا جميعا الى لاجئين مشتتين منقسمين بداخل الوطن كما بخارجه.

هذه المرة تيقنت القاهرة عدم الحاجة لإجراء ولادة لمولود ميت…. بالمرة القادمة لن يلتفت أحد لا للحامل ولا للمحمول كان حيا او ميتا. 

Leave a Reply

Discover more from Nadia Harhash

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading