تخطى إلى المحتوى

قراءة نقدية في صرخة امرأة عربية : في ظلال الرجال

قراءة نقدية فى صرخة إمرأة عربية

ايهاب نبيل

” بنار البخور النسائى ملء المكان
انتظرها ”
.
بعبق ساحر ، و بوح لعوب ، و دفء آسر ، و تمرد وجل ، و بروح محمود درويش – صوت فلسطين الحرة الأبية – و بغصة ذابت فأنسابت فى قنوات الحروف و بنار البخور النسائى ملء المكان دع الكاتبة تحلق بنا فى سماوات المملكة المنسية على حواف الذاكرة و . . .
انتظرها
انتظر الكاتبة الفلسطينية / نادية حرحش و كتابها ” فى ظلال الرجال ”
اخلع نعليك ، و اتخذ مقعدك عند حافة الأريكة ، و ضع موسيقى السمفونية الخامسة ، و ألق السمع إلى تداع حر لأفكار إمرأة ، عربية ، فلسطينية ، مسلمة و . . مطلقة .
ذات مرة ، قال أحد الفلاسفة : أن الأفعال الإنسانية مدفوعة فى تسعة أعشارها بالعاطفة ، و أن العقل للإنسان كالثياب على الجسد .
فتعال متخففا من سرابيل العقل ، متدثرا بغلالاته ، أو فلتأت بجسد عاطفتك العارى .
دع اللغة ، فهى متينة ، أنيقة ، خالية من التكلف و التحذلق و الابتذال .
دع السرد فهو متدفق ، متمايل ، كرقصة فى ضوء القمر
و تأمل . .
تأمل إمراة ، فى مجتمع ذكورى متعصب ، لا يعرف سوى قمعها و الاستبداد بها
عربية ، فى واقع عربى كريه و كئيب
فلسطينية ، ترتشف يوميا مرارة الأسر و ذل الاضطهاد
مسلمة ، تعانى من قريب ملك أمرها ، و بعيد يستخف بها ، و غريب يتهمها و يولى نفسه نائبا عن إله لا يعرف عنه شيئا
و مطلقة فى مجتمع ظاهره التحفظ و الانغلاق و باطنه التخلف و الانحلال .
كثيرة مشكلاتنا ، فاجعة مآسينا ، لكنها – و لدهشتنا – واهية عند معرفة ما خاضته تلك المرأة ألتى تراصت مشاكلها و تقاطعت فكانت كخيوط العنكبوت ، تقنصها ولا فكاك .
لذلك فإن الخجل هو أول ما يصدم القارئ مثل قطار – لو كان هذا القارئ رجلا .
للأراء القاسية طريقتها الخاصة فى الإرتداد نحو معتنقها المصرح بها ، فهى – غالبا – ما تصمه بعين ما يدعيه من عنف و تطرف .
و لكن – بطريقة ما – نجت بطلة الكتاب من ذلك المنحدر الخطر .
فرغم أنها قدمت نفسها كقديسة فى مجتمع الرجال المكون بالضرورة من الجناة الطغاة الزناة المذنبين حتى الأسنان .
و رغم أنها قدمت رؤية فى غاية التعسف للجنس عند الرجل و أمسكت عن طرح الرؤية المقابلة عند المرأة ( و هو الأمر الذى يكشف الطبيعة الشرقية الخجول لدى الكاتبة )
و رغم وهن الخيط الذى حاولت البطلة جدله لينتظم به و فيه عقد ثلاثية ( الزوج / المحتل / الإله )
و رغم أنها قدمت – دون وعى – ما يجعلها شريكة فيما آل إليه حالها ، و كان ذلك واضحا كاشفا عند توقفها فى نقطة التفتيش و صياحها بالعبرية ألتى تقول أنها لم تكن تدرك أنها تجيدها ، أو كانت تدرك و تكبح ذلك الإدراك بإرادتها الحرة !! ترى أى قدرات أخرى تكبحها تلك المرأة ولا تصرح بها ؟
و موقف آخر عندما ترفض السفر بعيدا عن بطش زوجها ، و هو ما يجعل القارئ يتساءل عن حقيقة مشاعر تلك المرأة ، و إن كانت حقا ضحية أم مجرد أمة أخرى لا تعرف الحرية ولا تريدها حقا رغم صراخها فى طلبها ، و دليله أنها أختارت العيش ملتصقة بذلك الذى أسرها .
موقف آخر هو سلوكها الغريب عند معرفتها بأن الزوج السابق يحاول قتلها ، و امتناعها عن الإبلاغ عنه ، و هو الأمر الذى يضعف الكتاب كله فى الواقع ، و يلقى بغير قليل من مسئولية مأساة البطلة على كاهلها هى شخصيا !
و أخيرا ، فعنوان الكتاب دال على محتواه إلى حد مدهش ، فالبطلة ولدت و عاشت و تزوجت و انجبت و انفصلت و حاربت و تمردت دون أن تجرؤ على تخطى قضبان الظل ألتى أراد لها الرجل و المجتمع أن تحيا بينها .
الكتاب يدور فى فلك الرجل لا المرأة ، هو الأصل و المرأة – حتى تلك ألتى تمردت – ليست سوى شبح يلهو بين قضبان ظلاله .
رغم كل هذا . . يبقى كتاب ” فى ظلال الرجال” صادما ، حيا ، دليلا دامغا على أشياء نريدها – نحن معشر الرجال – خفية مستورة .
و هناك أشياء كثيرات قد تقال عن الكتاب ، و لكنها أشياء ليس من بينها الكذب ، فالكتاب له تلك الصفة ألتى يكتسبها الصدق حيث كان ، صفة الحياة .
و الشكر واجب للكاتبة على مشاركة تلك الحياة الحافلة معنا .
.
.
.
إيهاب نبيل.

1 أفكار بشأن “قراءة نقدية في صرخة امرأة عربية : في ظلال الرجال”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading