تخطى إلى المحتوى

تجدد العمليات في القدس : انجازات تحسب ام خسائر مستمرة

من الصعب التعبير عن العملية التي نفذها (مصباح ابو صبيح) بالقدس بالأمس. لا بفرح ولا بحزن . لا بالمساندة او بالشجب. طبعا ، لا يوجد داعي لأن نشجب نحن الشعب ، فهكذا عمليات يذهب فيها “ضحايا” اسرائيليون ،  تقوم السلطة الفلسطينية بهذا الواجب. الا ان ما اود مناقشته يختلف عن موضوع الشعور من استياء او تشفي. وبدء ،علي الاعتراف بأنني لم اشعر بالاستياء من العملية ، ففي كل مرة هناك بعض التوازن في ميزان القوى ، اشعر بأن النتيجة بغض النظر عن الخسائر البشرية بكل الاطراف كان بها بعض العدل. فخروج فلسطيني بسلاح مقابل الاسرائيلي المسلح ، يؤكد على ان ذاك الشخص عقد النية عن سابق اصرار وقدم حياته في سبيل مبتغاه. وهنا قد تكون اختلفت نظرتي لفدي الحياة في سبيل هدف ما قد يكون فيه السمو فعلا هو سمو الوطن . ولكن لو افترضنا ان هذا الرجل فدى بحياته ، وبالطبع بمستقبل عائلته  ، فإن السؤال من اجل ماذا يفدي انسانا نفسه , يبقى معلقا هنا ، في وقت تقوم السلطة الفلسطينية نفسها بشجب العملية . وحتى لو لم تقم السلطة بالشجب “المخزي” ، فإن ما يجري من تصفية للقضية الفلسطينية يجعلني اقف امام تساؤل قد يجده الكثيرون مرفوضا لمجرد طرحه . من اجل ماذا يفدي شبابنا بحياتهم ؟ لا اقصد بأن الوطن لا يفدى ، ان الكرامة والحرية هي مبتغى الانسان الحر الروح, قبل ذلك حر الجسد. ولكن عندما تكون حياة اولئك من يقدمون حياتهم فداء لوطن مرجو ، عبارة عن انتصار لفئة ما تحت اسم وطن يتم المتاجرة به ، ابدأ بالتساؤل عن جدوى هكذا عمليات او اعمال .

ولربما من الجدير ايضا تشريح ما يحصل ، ولقد يكون الشهيد الاخير استثنائيا بالقياس للعمليات الاخيرة ، استثناء كما كان بهاء عليان ، ومهند الحلبي ، وضياء التلاحمة وغيرهم ممن حملوا حياتهم على اكتافهم وقدموها فداء لكرامتنا وحريتنا المغيبة المفقودة و تغييرا في ميزان الصراع بيننا وبين الاحتلال. وعلي التأكيد هنا ايضا , بأنني لست بصدد محاكمة كل من قدم نفسه للشهادة . فلكل, بلا شك قصته وحقه باختياره بغض النظر عن دوافعه. واتمنى ان يحتسبه الله شهيدا في زمن يعيش فيه الانسان المظلوم شهيدا بالدنيا قبل شهادة الاخرة. ولأننا نعيش في ظل دولة ظالمة عنصرية ، فإن من يقدم على العملية هو الضحية الاولى ، لأنه بالنهاية انتهى وجوده بهذه الدنيا ، وبغض النظر عن فداحة الفعل بالنسبة للطرف الاخر (آلاحتلال) ،فإنه لا يسعنا الا افتراض ما جرى وما كان بنيته ، لأنه لو كان هناك عدل ، لما قتل ، سواء اعتدى او لم يعتد. فنحن امام معادلة قوى غير متكافئة بأي شيء . وحكم اسرائيل على الشهداء بالقتل عن سابق اصرار وترصد هي جريمة لا تقل عن فعل الفلسطيني اذا ما قررنا موازنة المصطلحات . ولأنني فلسطينية ، اعيش بكل يوم معنى الشهادة (القتل) الممكنة في كل مواجهة او استفزاز اسرائيلي ، فلست بحاجة لتبرير او فهم ، لم يخرج شبابنا وابناءنا للشهادة او الانتحار. فالانسان الفلسطيني تحت الاحتلال واشدد على ذلك الانسان بالقدس والخليل ، يعاني مرارة وقهر الحياة تحت العنصرية والظلم بطرق مختلفة . حيث يصل المرء الى نتيجة محتمة بأن الحياة والموت بلحظة يصبحا سواسية. او لربما يصبح الموت هو الرحمة.

ولو اخذنا ما جرى مع الشهيد ابو صبيح ، لن نحتاج للكثير من التفسير لما جرى معه وما دفعه للقيام بالعملية . ولقد يكون تفوق على غيره بأنه خطط ودبر للعملية . وهذا مرة اخرى يعتبر استثناءا .  الا انني لا استطيع الابتهاج للعملية مقابل خسارتنا لانسان جديد. انا على قناعة تامة بأن الترويج للموت من قبلنا نحن المتفرجون من داخل امن منازلنا ومن وراء شاشاتنا هو عمل جبان . لأن من يصفق ويبتهج منا لا يريد ان يكون هو او ابناءه الضحية القادمة . لا استطيع الا ان افكر في ظل هذه المأساة اللامنتهية من هدر الدم الفلسطينية بخسارة رب عائلة واب وابن ثلكت امه وابنته وزوجته به . رجل غاب الى الابد بامنه الذي لابد كان يظلل فيه على احبته . بعد الزغاريد ونشوة الانتصار المفجع , سيقلب المهللون والمتفرجون وجوههم للبحث عن ضحية أخرى ينتصرون بها و بتهليل او رفع علم او ادعاء فارغ بانتصار بعيد.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading