تخطى إلى المحتوى

وصية باسل الاعرج تعري عرينا وتفضح عارنا

وصية باسل الاعرج تعري عرينا وتفضح عارنا

قبل عام , عندما اختفى باسل الخياط ورفاقه بطريقة غريبة , ثم تم القاء القبض عليهم بطريقة اغرب . تيقنت ان مشكلتنا لم تعد فقط بالاحتلال. ولعل من سوء حظه ورفاقه انهم وقعوا في ايد الامن الفلسطيني. لم نسمع عنهم وعن موضوعهم لشهور عدة حتى بدأ اهل الشباب بالمطالبة برؤيتهم وفهم ما يجري معهم. وكان اطلاق سراحهم بغرابة اختفائهم وسجنهم.

ولم يكن بغريب ان تلطقتهم قوات الاحتلال واحد تلو الاخر. فالمسألة تعيد نفسها وبنفس الديباجة في كل مرة. وبكل الأحوال لم اعد استغرب الأصوات الخافتة التي تلمح دائما بان غيابات السجون الفلسطينية وغرف التحقيق فيها لا تختلف عن تلك الإسرائيلية , بل أسوأ. وان كنت اتحدث عن السوء هنا , فاتحدث عن السوء ذلك المصاحب للظلمة التي لا تأخذك الا في غياباتها السحيقة , لانك لا تعرف خروجا منها . بينما في الجانب الاخر القامع من الاحتلال فهناك على الأقل معايير دولية يلتزمون بها امام العالم.

بينما اكتب هذه الكلمات , اشعر بالرهبة المصاحبة لما يمكن ان يترتب عن هكذا كلمات , رهبة لا بد ان يعيشها كل من يعيش في نظام تغيب عنه السيادة الحقيقية الا من الاستبداد , وفوق هذا كله يحميه ولربما يحميني الاحتلال.

كم هي معضلة مأساوية تلك التي نعيشها شعبا وسيادة تحت الاحتلال . كم هي معضلة لم يعد فكها ممكن الا بعرينا المطلق من كل شيء حتى من انفاسنا.

في قصص المطاردات المعتادة , كان باسل سيجد ملجأ له في مدن وطنه صاحب السيادة . في يوم مضى لم اعد اذكره , كان اهم ما يميز الفلسطيني هو ذلك الانتماء المطلق لابناء جلدته. كان العميل مذموما ولم تكن أيديهم النجسة لتطال أولئك الابطال منا بسهولة . اليوم … أصبحت العمالة هي ما يشغل امر هذه الأرض ومن عليها.

ولكن مشهد الاغتيال ان دل على شيء , قد جاء ليؤكد ان الامن الفلسطيني و لا اعرف كيف افصله بين مخابرات او وقائي او غيره جزءا من عملية الاغتيال هذه. قد تكون رصاصات الاحتلال وصاروخه من صفوا دم الشاب المطارد , ولكن كيف يجرؤ الاحتلال حتى ان تتم هكذا عملية في منطقة سيادية فلسطينية ؟ كيف دخلت قوات الاحتلال الى لرام الله , الى المنزل الذي كان مختبئا به ؟

اعجز وبصدق ان اتمم الكلمات . اعجز عن وصف شعوري بالخزي وبالعار من نفسي ومن كل ما يمثل بهذه اللحظات فلسطينيتي. لأننا كلنا جزء من هذه الخيانة.

كلمات باسل الاخيرة في ما سماه وصيته , يؤكد يأسه من الخلاص على هذه الأرض, ولكن كغيره ممن سبقوه امن بأن الحياة مع الاحتلال عقيمة , وكأنه راهن بسذاجة على فلسطينيته تلك التي ظن انها تجري في العروق . راهن ان لكلماته هذه وقع يحي فيها الدم المتجلط في العروق. ولكن هيهات يا سيدي الشهيد , فلقد سبقك بهاء وغيره وها قد لحقت بهم الى صقيع ثلاجات الاحتلال .

لو كان هناك دم يجري في عروقنا لامتلأت ساحات هذا الوطن المزيف الان بالمظاهرات والاحتجاجات والبكاء على شهيد هندست قوى امننا اغتياله ووقفنا واياهم متفرجون.

يقول باسل في كلماته الأخيرة :

“حيرتني تلك الوصايا,مختصرة سريعة مختزلة فاقدة البلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن اسئلة الشهادة . وانا الان اسير الى حتفي راضيا مقتنعا وجدت اجوبتي , يا ويلي ما احمقني وهل هناك ابلغ او افصح من فعل الشهيد؟

كان من المفترض ان اكتب هذا قبل شهور طويلة الا ان ما اقعدني عن هذا هو ان هذا سؤالكم انتم الاحياء فلماذا اجيب انا عنكم فلتبحثوا انتم . اما نحن اهل القبور فلا نبحث الا عن رحمة الله .”

نعم رحمة الله التي أتمنى ان تحصل باسل قبل ان يصبح من اهل القبور!

اما نحن الاحياء سنتكلم عنك وعن بطولاتك الحقيقية والوهمية لعدة أيام قبل ان نعود مرة أخرى الى سباتنا .

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading