تخطى إلى المحتوى

ملهاة فلسطين الساخرة

ملهاة فلسطين الساخرة

 

تتابع المشاهد المتوالية على مسرح العرض الفلسطيني الذي طالت مسرحيته وتكررت مشاهدها وشاخ ممثلوها ومل المشاهدون من المتابعة. فرويدا رويدا ، تحول المسرح من ملتقى ثقافي الى ملهى يجوله العاطلون والمنتفعون والباحثون عن مأوى او تسلية فارغة يمسون فيها اوقاتهم البائسة الضائعة في هروب من واقع لم يعد فيه جدوى الا لقضاء ما تبقى من وقت في تكسير قشور البزر وعلب المشروبات الغازية الفارغة واوراق ناعمة متسخة بمخلفات الزكام، ورميها تحت المقاعد وفي برهات المكان بانتظار انتهاء المشاهد المملة التي ترفض الانتهاء.

مسرحية التحرر الفلسطيني التي اخرجتها منظمة التحرير وانتجتها القوى الدولية باشراف اسرائيلي، وكانت بطلتها الاولى اوسلو، وقام بادوار البطولة والكومبارس زمرة قواد يعتاشون على هزات خسر الجميلة الاسكندنافية الباردة.

يبدأ العرض بمشاهد لاضراب الاسرى ودعوات مستميتة للانضمام الى خيمات الاعتصام . تصطف الامهات والاخوات والاخوة والاباء والزوجات في المقاعد الاولى ، لا يحتمل وجوههم الا مرارة الفقدان وحسرة الانتظار الذي لا يأتي ، وعمر يمر وينتهي ولا لقاء قريب ولا فك قيد ممكن. شعارات تملأ المكان ، يتسابق المنظرون على الظهور وحمل المايكروفون. اعلانات وسباق نحو استراق الاعلام . فقضية الاسرى قضية شكلية في حياة النخبة التي لا تريد الا لمناصبها وانتفاعها بالبقاء. ولا ضرر من الصراخ عاليا ” الحرية للاسرى ” و”نحن متضامنون” والجلوس لبضع دقائق مع قافلة الاعلام لتسجيل التضامن الرفيع.

يتداخل المشهد في اخراج رديء ، فلقد شاخ المخرج ومل هذه المسرحية ، اعلانات الانتخابات تعلو اعلانات التضامن ، ويأتي متذاكي ليدمج الشعارات . فرصة ذهبية هذا الاضراب للمقتتلين في وقت التصارع الانتخابي….

لحظة…انتخابات مجالس بلديات . تعيد المشاهد البائس الى مشاهد كان يرفضها قبل عقود . الا يذكركم هذا المشهد بروابط القرى يا سادة؟ هل لبست اوسلو رداءة شيخ القبيلة في هذا المشهد بعد ان خلعت رداء سيدة الليل ولهو قواده ؟ انتخابات ماذا ؟ هل صارت رام الله هي الدولة ؟ وهل هناك دولة اخرى في نابلس ودولة صديقة في الخليل ؟ ودويلات تتسابق في زحام الانتخابات وكأننا متحررون منتصرون كل ما ينقصنا ترتيب لامور قرانا ومدننا التي لا يقوى شيوخها بعماماتهم وبدلاتهم وقوافل سياراتهم وتصاريحهم الامنية الخاصة بايقاف جيب عسكري قرر اقتحام شارع من شوارع انتصاراتهم الفارهة. وعودات انتخابية حتى اوسلو نفسها ظنت ان الادوار تداخلت على الممثلين فظنوا انهم في النرويج .

ينسدل الستار عن المشهد واوسلو تلطم على وجهها ، بعد كل تلك السنوات من العروض ولا يزال الممثلون يقومون بادوار لا ترقى الى درجة الكومبارس.

يأتي مشهد اخر ، لا يوجد دور لاوسلو به ، ويحاول القواد استحواذه اذا ما سنحت الفرصة بشهيد جديد. الاعلام الحزبية على الزوايا باستعداد دائم للرفع . تزاحم الاعلام عند المصائب وعند المكاسب التي لا تأتي … كلا ، هناك انتخابات قادمة ، تزاحم على تفرد بالمقاعد. غزة خارج الحسبة ، وحماس منكفئة تلملم خططها مع ممثل يأخذ دور البطولة مع المخرج والمنتج. دولة حماس العظمى في غزة ودولة فتح الابية في رام الله ….يقذف المتفرجون ما تبقى من علك للبذور والقشور يغلب عليهم الملل من التكرار . اصفر اخضر احمر…..اصفر اخضر…. هذه هي فلسطين الجديدة ..صفراء في رام الله ، وخضراء في غزة … ويتخللها الاحمر لا علما بل دما لابناء حتى التراب صار يتمنى الا يرتوي بدمائهم خجلا.

مشهد جديد يدخل به اصحاب المسرحية عنوة ، في محاولة لاعادة السطوة على مجرى الاحداث. تسلية لزوم جذب الجمهور. قافلة من القبائل تدخل في محاولة لدعم الاخوة الصامدون . يقوم المؤتمرون بالصياح والتلويح عاليا : “نحن عقدنا هذا المؤتمر اليوم من اجل الاسرى ” . برهة الفندق الباذخ تعتج برموز عربية جاءت لدعم فلسطين . طعام وبذخ وكرم فلسطيني اصيل . اوسلو لبست عباءة الامارات وصارت تقدم ما طاب من طعام وسيارات وشخصيات . وزير ومدير عام ومتسلق ومتلفف ومتسول نحو سلطة تجلب البدلات والكاميرات وتعزز النرجسية المرضية وتنفخ البطون وتشد من صدور اولئك الفازعون الجدد برداءات السلطة الشبابية . فلقد تبدل الجيل ولم تعد فلسطين بسلطتها مهترئة كما يرددون. فنحن اليوم لدينا وزراء ومتحدثون يتكلمون الانجليزية بلا تلكك ولا تلعثم ،وشهادات جامعية من ارقى الدول. شباب لا يزال امامهم عقود من التشبث بالسلطة التي صدقوا انهم يمتلكوها.

يجلس الزوار في انفصام بين انفسهم متسائلون : اين القضية الفلسطينية التي جئنا من اجل مؤازرتها ؟ كيف ندعم القضية المسكينة المحتاجة ولقد تم الصرف على اقاماتنا وكأننا في سويسرا؟ الوزير والمرافق يبدوان اكثر ترفا بمعيشتهم منا اولئك الاحرار بدولهم البعيدة القريبة؟

يتدارك احد الفصيحين المأزق ويتذكر ان الاحتلال هو الشعار ، فيقرر المؤتمرون الخروج في رحلة ميدانية الى الجدار. وليمروا بحاجز ليشعر العالم بالذل الذي يعيشه الفلسطيني يوميا. وان كان هناك خيمة اعتصام للاسرى بالطريق فلنتوقف لدقائق معدودة من اجل التقاط الصور. ولا تنسوا طبعا استدعاء الاعلام. يجب ان نوثق هذه المشاهد التاريخية في حياة وزيرنا الابي. عفوا .. صراعنا بالعيش تحت الاحتلال.

تنسدل الستارة للتحضير للمشهد القادم ، تتسارع اللافتات وتتصدر ارجاء المسرح وتمر عبر الصفوف من اجل الانتخابات . انه اليوم الحاسم ، لم يبق متسع من الوقت . هذه الانتخابات ستحررنا .. بلدية ، عشائرية ،روابط قرى سموها ما شئتم.. ستحررنا وتعطينا الامل لغد فلسطيني بدولة. لا يهم ان كانت هذه الدولة اسمها رام الله او اسمها الخليل او اسمها نابلس او تلك البعيدة جدا المسماة غزة. شعارات تتجه كلمات المرشحين بها الى القدس والاقصى صوره تملأ المكان ،وللقدس رايحين شهداء بالملايين ، وصور لشهداء ارتقوا من القدس وغزة لا ناخب لهم اليوم ولكنهم مهمين للدعاية الانتخابية ……

صياح باكي مدوي يخترق الخلفية ويتأجج في المكان فجأة . يرتبك المخرج والمنتج والممثلون كافة . حتى الجمهور يرمي بمشروباته الغازية وكومات المكسرات والترمس بأيديهم .سباااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

سباااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

سباااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

سبأ نضال عبيد….شهيد اخر يرتقي ، تبكيه قلوب اصحابه ، اخترق قلبة رصاص محتل حاقد في مسيرة لا يزال اصحابها يؤمنون بأن القيد لا بد ان ينكسر .

شهيد تمسح الارض نجاستنا بدمه من جديد.

 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading