تخطى إلى المحتوى

لماذا انهارت منظومتنا الاخلاقية ؟

 

لا اعرف ان كان التوقف امام شهر رمضان يجعلنا اكثر مراجعة لحقيقة واقعنا ؟ ولا اعرف ان كان ما يجري برمضان سببه الصيام بتأثيره على اعصاب الصائم الذي يفقد اعصابه او يسرع ليصل الى البيت قبل الافطار ؟ ولا اعرف ان كنت قد وصلت الى حالة من التهكم لا يمكنني الرجوع عنها ؟

فيخطر ببالي بالعادة جواب بديهي سأسمعه عندما اسأل سؤال كهذا في العنوان : لماذا انهارت منظومة اخلاقنا ؟ لاننا ابتعدنا عن الدين. سيكون الجواب السريع لمعظمنا . ولكني لا استطيع الا التوقف ، بما سيبدو متهكما ، وهو بالفعل محزن اكثر منه تهكما . نحن في شهر العبادة . نحن في الشهر الذي يحبس الله فيه الشياطين . من الذي يجول في ارضنا هذه . هل نحن الشياطين ؟ هل نحن من نحث الشياطين على الشيطنة في الايام الاعتيادية ؟

المشهد على حاجز قلنديا ، سواء للمشاة او السيارات ، يثير الرعب في نفوس اي انسان يعتقد انه طبيعي . العبارة الوحيدة التي تظهر امامنا كتلك اللافتات الكثيرة على الطريق الملتف حول الحاجز دخولا الى قلنديا . لم استطع الا ان اتساءل في خضم الحرب التي يخوضها المرء للمرور ، كل اولئك سيجلسون بعد دقائق ليستغفروا الله ويرفعوا ايديهم ابتهالا مرددين : ” اللهم لك صمت ” . هل يريد الله منا هكذا صيام ، نصل فيه الى مائدة الطعام غاضبين محتنقين ، نسب على بعضنا ، متزاحمين على وصول ما بلا ادني احترام او تفكير جماعي بالحاجة الى بعض التعامل الاخلاقي في موقف نجتمع جميعنا في محاولة الوصول اليه . الكل يريد الوصول الى مائدته وكأنه الوحيد الصائم.

ثم نرتاح قليلا ، نأكل ، نهدأ ، نجلس امام التلفاز ، نتمشى ، نتنزه ، نتسابق للوصول الى الجامع . هل ينظر احد منا حوله الى كم القذارات والاوساخ المتراكمة على الطرقات ؟ وكأننا نعيش في ايام اضرب فيها عمال النظافة عن العمل . كم الاوساخ التي تصدر عن تجمعاتنا ، ومرة اخرى من اجل تعبد اوتقرب الى الله ، وكأن الله لن يرى الا لحظة الصلاة تلك ؟

الا يفكر هؤلاء ان الله في كل مكان ؟ هل يظن الصائم الغاضب، المغتصب لطريق غيره، المتعدي على حق الاخر بالعبور ،الشاتم، المتأهب لمشكلة، الذي يرمي القذورات بعد الافطار بالطريق العام وغيره، ان الله الذي يرفع يده اليه استفغارا ويركع ويسجد للابتهال اليه والصلاة له، موجود فقط من اجل استقبال صلاته وصيامه الشكلي ؟

وان كانت الاخلاق قد غابت، والنظافة قد انعدمت ، والانتماء انتهى الى “اللهم نفسي” ، والمنظومة الاخلاقية نفسها قد انهارت ، فكيف نصف العنف الذي خرج من نفوس الناس كالدمل الطافح من الجلد . المشاحنات والنزاعات والطوش اليومية والليلية . وجرائم القتل المتزايدة .

هذا الخلط في انهيار منظومتنا الانسانية يأتي ليكشفه شهر رمضان امام اعيننا . هذا الشهر الذي جعله الله بصيرة وهداية للعالمين في نزول القرآن به . ذلك الشهر الذي فتح الله فيه ابواب السماوات ، وها نحن نحفر فيه اعماق جهنم بالارض ونحرق انفسنا بها .

هذا الشهر يكشف اكثر من كل مرة كم بليت اخلاقنا وصار الابتلاء بلاء .

من كثر الابتلاء لم نعد نستطيع التركيز في موضوع . اهي جرائم القتل المتزايدة ؟ موضوع قتل النساء الذي لا يتوقف بل يتصاعد ولا يحصره حبس الشياطين في رمضان .

نلوم الاحتلال على عدم التصدي للمجرمين ، وعلى عدم تصديه للاسلحة والاقتتالات والمنازعات . ولكن هل الاحتلال من يحث على هذا القتل ؟ على هذه الجرائم ؟ هل وظيفة الشرطة منع الجريمة قبل وقوعها ؟ هل على الشرطة ان تجلس معنا في البيوت للترصد لعنف تربيتنا واعدام اخلاقنا ؟

وفي غياب الشياطين وحبسها ، تحبس السلطة الديمقراطية العلمانية حرية التعبير وتحجب المواقع “المعادية” لها . وفطرة رمضان هذا العام تعلن بخبر يتسرب الينا من مصادره الاصلية لا اعلامنا بالطبع ، عن وقف السلطة دعم عائلات الاسرى ابتداء من هذا الشهر . عندما نفكر ببداية شهر رمضان الذي هللنا به لانتصار الاسرى المضربين عن الطعام لاكثر من اربعين يوم فائت .

وتشغلنا مصالحة حماس مع الدحلان وكأن الدحلان هو اسرائيل وزعيم الصهيونية ، ونتناسى ان الدحلان بشره المستعر ليس الا جزءا من منظومة الحكم الفتحاوية . فان كان الدحلان شرا وصهيونيا وشيطانا ، فهذا لا يزيد الكارهين له من حزبه الا شرا .

وبينما نشمت بقطر وحماس . ننسى ان هناك شعب محاصر ، يحتضر ، يتنازع المتنازعون من اجل خنقه اكثر ومن اجل قطع ما تبقى من مرافق الحياة الاساسية الشحيحة.

وبينما ندعو الى الله ان ينتقم من اعدائنا ، نجد انفسنا في دائرة كره وحقد احاطت بنا وتحرقنا ، واعداؤنا الحقيقيون من حولنا متفرجون.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading