تخطى إلى المحتوى

رمضان وكشف المقدس للمدنس

رمضان وكشف المقدس للمدنس
من الصيام الى السحور: بين مسلسلات وافطارات، أزمات وحوادث وطوش

يقولون دائما، ان القدس مدينة مقدسة، والدنس فيها لا يطول. الا ان الأمور تداخلت في سنواتنا الأخيرة، ليختلط الحابل بالنابل، والدنس بالمقدس. وكما التنسيق الأمني تحول من العمالة الى المقدس. وهكذا المقدسات تتحول تدريجيا الى سوق ربحي تدنسه المصالح تحت اسم المقدس.
ليس من قبيل الصدفة ان يتم تسليط الضوء على الأوقاف الإسلامية في الآونة الأخيرة، فالقدس بمحيطها القديم في معظمه تحت ملكية الأوقاف او وصايتها. وقد تكون خطط الاحتلال اليوم تتكرس في التركيز على الأوقاف بعدما انتهت من تركيزها على الأشخاص في تسريب العقارات على مدار السنوات الأخيرة. فالأوقاف باتت المالك الأكبر للعقارات، وتحتاج قوى الاحتلال المختلفة التسرب اليها. نهج للاحتلال من اجل السطو والتملك والحيازة لم يتوقف ولم يتبدل منذ إقامة الاحتلال، الا ان الطرق تستمر بالتغير على حسب الطلب والحاجة.
في رمضان، التركيز المحلي أكبر نحو القدس، فهناك الأقصى وقبة الصخرة، والطريق اليها هي معضلة حديث اليوم.
بدأ رمضان بالطوش المعتادة مساء على أطراف المدينة المقدسة بين الباعة المتجولين او أصحاب البسطات، وانتشار مكثف للشباب على الطرقات أدى الى مشاحنات عنيفة تدخل بها قوات شرطة الاحتلال في كل مرة لدرء المأساة من دم يمكن ان يذرف. الضحية كان درج باب العامود الذي تم منع الجلوس عليه. في الوهلة الأولى كان اللوم على الاحتلال، وكأنه اجراء تعسفي اخر- وهو كذلك- ولكن هذه المرة كان التصرف التعسفي به من الرحمة لتجنب تعليقات الشباب المحتلون للدرجات وتحويله لمقهى ومكان للتعليق والسب والبلطجة، مما جعل الكثيرون يتجنبون استخدام باب العامود للدخول الى القدس. وكأن القدس يجب ان تأخذ شكلا محجبا على حسب مراس هؤلاء تحت حجة رمضان. وكأن غير المحجبة تمشي في زي بحر امامهم. متناسين كلنا – اننا في شهر الصيام وغض النظر واجب فيه.
الهدف هو الوصول الى الأقصى للمعظم، وتحول الطرقات الى بسطات ليس بغريب، فنحن بشهر فضيل واحتفالي. هناك مجموعات تطوعية من الشابات والشبان تنتشر في بعض الأماكن لمساعدة القادمين الى القدس من اهل الضفة المنتظرين لهذا الشهر، في فرصة سنوية وحيدة، يدخلون فيها الى القدس، يشرحون ويساعدون.
وهنا نرجع الى دور الأوقاف، عندما يبدأ الزائر من استخدام مخرج المقبرة اليوسفية للوصول الى الأقصى. السؤال المبدئي هنا، كيف يسمح للبسطات ان تنتشر على مداخل المقبرة وفي طرقاتها؟ مرة أخرى أسأل، اين حرمة الموت؟ أين الاخلاق التي يجب ان نتحلى بها من سنن تربينا كذلك على انها من آداب زيارة المقابر؟
لا اعرف كيف تحولت المقابر مؤخرا لتكون البؤرة الوحيدة المتبقية للاستيلاء عليها؟ عندما ينبشون القبور ويسرقونها ويبيعونها، يرد المسؤولون بالأوقاف ان ما يجري ليس الا محاولة لاتساع عدد الموتى المتزايد. فهل السماح للبسطات هو أيضا إعطاء مكان لتزاحم الأسواق؟
عندما يصل الزائر الى الأقصى، الاف مؤلفة تصل الى الأقصى يوميا، وفي الجمع تتكاثف الجماهير من اجل الوصول والجلوس وتمضية اليوم في الأقصى، هل بات اطعام الصائم عند الإفطار اهم من مرافق الخدمات بالمقابل؟  فالا يجب ان تكون الخدمات والمرافق المقدمة حسب الجماهير التي تزور المكان.
بعد الصور للحشود العظيمة التي تجتمع من اجل “الله أكبر” واحدة في هذه الأيام المباركة، هل لنا ان نتساءل عن الحمامات والمرافق العامة المتاحة؟ المطوعون والمطوعات المتواجدون من اجل التأكد من عدم خروج خصلة شعر من تحت الحجاب أكثر من المسؤولين عن النظافة. الا يمكن التطوع من اجل نظافة المكان في هذه الأيام؟
النظافة من الايمان، لم تعد صفة من صفات المسلم. الايمان صيام ليوم عن الطعام، بينما الروائح من عرق وفم وتأفف وعصبية ومشاحنات تحت طائلة “اللهم إني صائم” هي ما يميز المؤمن الصائم.
هنا، نأتي الى احجية حياتنا كمسلمين، كيف تفصل الأوقاف دورها من حارس للمقدسات وتتحول الى ميسر الى خدمات عينية يحتاجها الوضع القائم، فتفقد السيطرة ويصبح عملها مجرد وكيل لمصلحة ما، تغيب عنها عمق عملها. فيصبح استيعاب الالاف هو المهمة بدلا من اتاحة الفرصة للتعبد والتأمل في رحاب بيت الله العظيم للمسلمين.
والمواطن بدوره ينحصر دوره في صيام عن الطعام، واسراف في الإفطار بين موائد ومطاعم وولائم، بينما الفقر يتفشى، والموت يخيم على الطفلة عائشة اللولو من غزة في مستشفى وحيدة منع الاحتلال أهلها من العبور.
والسحور صار فرصة للسرقات والتعدي في انتظار امساك لصيام جديد.
والمسلسلات الرمضانية تجسد في سخافاتها وانفصامها وابتذالها واقعا لحقيقة صارت تمثلنا…. مسوخ لفكرة لم نعد نعرف من أنفسنا الا انعكاسات واهية لما لا يمثلنا، ومع هذا نسعى بتلهث لنكونه.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading