تخطى إلى المحتوى

الضرب في المدارس : نتيجة طبيعية بوضع لا تربية فيه ولا تعليم

طبعا، انا إنسانة ضد الضرب بكافة أشكاله. ضد العنف كذلك بكافة أشكاله. ولكن ما الذي حدث في حياتنا منذ ركزنا على منع الضرب بالمدارس من قبل المعلمين؟

هل انتهى العنف؟ وهل أصبحنا مجتمعا أفضل وأصلح؟

إذا ما فكرنا ان هناك علاقة بين منع الضرب من قبل المعلمين بالمدارس في العقدين الأخيرين وكمية العنف التي نعيشها، فهل نخرج هنا بمعضلة ما تربط بين الامرين؟

الحقيقة ما يربط بين الامرين هو انعدام التربية في البيوت، والتي صار العنف هو بديلها في كافة اشكال حياتنا، تزامنا مع مناهج تعليمية تفتقد الى كل ما تحتاجه المجتمعات لبناء أبناء اسوياء. مناهج تقوم على التلقين والتحفيظ، خالية من الابداع، في ظروف صعبة تكتظ الصفوف فيها بالطلاب، وتتكدس الدروس على رأس الطالب كما يتكدس الطالب خلال ست او سبع ساعات على مقعد.

مناهج لا تنتج معرفة، لا يمكن ان تنتج ادبا او تربية. وبالتالي الاهل هم كذلك نتيجة طبيعية لإنتاج المدارس لمستقبل قاتم يعيش في هذه الاثناء وخامة نتائجه، المعلم.

 ما نراه اليوم من قتل وعنف وبلطجة هو نتيجة غياب التربية من كل الاتجاهات في المجتمع. وكأن قرار منع الضرب من قبل المعلمين ارتبط تلقائيا بقرار عدم التربية في البيوت.

ولكن إذا ما نظرنا الى الوراء غير القاصي للحظة، لتنبهنا اننا كنا بخير أكثر عندما كان للمعلم حق التربية كما التعليم. كان هناك تناغم ما يحصل ما بين البيت والمدرسة، يشترك الطرفان في عملية التربية.

اليوم، لا تربية ولا تعليم.

اعترف بأنني لم اتعاطف مع الفيديو المتداول لمعلم يضرب التلاميذ بالمدرسة بينما ينظر الجميع اليه من معلمين وتلاميذ وغيرهم بلا تأثر، لأنني شاهدت الصورة من زاوية أخرى. زاوية معلم تمارس عليه الضغوطات من كل الاتجاهات. معلم يعنف من قبل نظام تعليمي يجعله يعلم في ظروف قاسية، ونظام خارج المدرسة يتبع مبدأ ” كل من يده إله”.

واعترف انني لن اتخيل ابنتي في هكذا مدرسة، كما اعترف انني لن اتخيل ابنتي تتعرض للضرب.

لأن الموضوع هنا لا يتوقف عند هل ترضين هذا لابنك؟ لأنه لا احد يرضى لابنه ان يتعرض للضرب. ولكن هناك سؤال يأتي قبل هذا وهو: هل ربيت ابنك على الا يتعرض للضرب؟

وقد يكون الجواب السريع هو نعم: فنحن نربي ابناءنا على مبدأ ” اللي بضربك اضربه. وكون ضارب وما تكون مضروب.”  لا استغرب ان المعلم في هذه الحالة يمارس ما تربى عليه كطالب، وهو يمارس هذه المقولة قبل ان يضرب هو. فعندما يسجل ٤٤ حالة ضرب لمعلمين منذ بداية العام، وعندما يناشد المعلمون السلطات بحمايتهم ، فليس بغريب المشهد الذي رأيناه. بالمحصلة هذا المعلم يمارس مبدأ ” درهم وقاية “!

ولكن الجواب الذي اتوقعه لسؤال : هل ربيت ابنك على الا يتعرض للضرب يأتي بالنسبة لى مختلفا. لأني أتوقع من ابني ان يكون محترما وان يكون قدوة بالأخلاق والتربية. أتوقع من ابني الا يكون عنيفا بألفاظه وتصرفاته، وعليه اعرف ان ابني لن يتعرض للضرب من قبل معلم.

منذ بداية العام الدراسي، وتناقشني ابنتي بأمور المدرسة باستياء من معاملة المدرسة التي تتحول الى أكثر قسوة معهم كطلاب. وفي سجالاتنا المتعددة، أجد نفسي مدافعة عن المدرسة وادارتها بتأهب وخوف. خوف من هول المسؤولية التي تقع على عاتق المدارس في وقت لم يعد هناك أي معايير للأخلاق والتربية خارج او داخل اسوار المدارس.

نعيش في زمن يعربد فيه الطالب على المعلم ، ويتم التنمر فيه على المعلم. وإذا ما تجرأ المعلم بالجواب او اخذ دوره كمعلم قد ينتهي الامر الى حمولة من المتأهبين المستعدين لذرف الدم والقتل بلا تردد بداخل المدرسة او خارجها.

وهنا خوفي كإم هو خوف اناني لا يرتبط بتحسين المجتمع، ولكني كالمعلم الذي لا يريد لهيبته ان تكسر ، فيضرب قبل ان يضرب. اريد للمعلم ان يكون حازما وحاسما، ولا يعرض ابنتي في المدرسة لخطر صفعة او دفشة او سكين ربما نتيجة طوشة محتملة لا يحمد عقباها. افضل ان يتم قمع ابني من حرية تعبير تربى عليها على ان يتصل بي احدهم ليقول لي “ابنك أصيب بطوشة صارت بالمدرسة او خارجها.”

فصار المعلم يقف على زاوية الصف خوفا من ردود فعل يكون فيها الطالب ابن فلان او علان. يكون ابن حمولة تحمل ركوب باصات ليهبوا للقتال. او ابن من يستأجر مرتزقة ليهبوا للقتال.

لا اعرف كيف اختفى ذلك الزمن الذي كان للمعلم حق فيه على الطالب وأهله.

ذلك الزمن الذي كان مبدأ “قم للمعلم” هو السائد، ليبقى المعلم في ذهننا كأطفال وراشدين “من علمني حرفا كنت له عبدا”.

كنت اسمع ما تقوله لي ابنتي عما يجري بالمدرسة وكأنني اتابع فيلما أمريكيا عن المدارس في احياء الافارقة. تعاطف لا أكنه بالعادة للمدارس ولا المدرسين، ولكني مع كل كلمة كنت استشعر الخطر.

ذات الخطر الذي يستشعر او ربما يعيشه المعلم إذا ما تصرف باي شكل من الاشكال تصرفا قد يؤدي لتجمع العشرات امام المدرسة بالهراوات والأسلحة. خطر، يتعدى كونه مشكلة بين طالب واخر او طالب ومعلم. خطر يطال الجميع. تحولت المدارس لمناطق غير امنه فجأة.

فهل المشكلة من المدارس؟

المشكلة بالبيوت.

المشكلة بأننا لم نعد نربي في البيوت وعليه لم تعد الأمهات مدارس. الام لم تعد المدرسة التي قد تعد شعوبا طيبة الأعراق.

مؤسف ومحزن ما قام به المعلم بلا شك. ويجب عقابه وتوقيفه كذلك وبلا شك. فهو معلم وليس راعي غنم. ولكن بعد ان يتم توقيف المعلم ومحاسبته، هل نأخذ كبيوت مسؤوليتنا بتربية أبنائنا؟

عندما يقف المعلم امام موقف “على وعلى اعدائي” فما الذي نتوقعه. او بالأحرى ما الذي نريده؟

هل نريد كأهل ان يسكت المعلم امام وقاحة الطلاب وقلة تربيتهم؟ هل نرضى كأهل ان يتم ضرب المعلم؟

هل نرضى ان نكسر هيبة المعلم؟

اذا ما مشينا ساعة خروج الطلاب من المدارس يصيبنا الذعر من كم الانحطاط الذي وصل له الطلاب والطالبات. الالفاظ النابية، التنمر، الوقاحة. لا يعيرون احتراما لا لكبير ولا صغير.

واقعة الضرب مأساوية ومحزنة، ولكن هناك أكثر مأساوية في مشاهد أخرى رأينا فيها كيف يتم ضرب المعلم. هناك مشاهد نرى فيها بلطجة الطالب وعائلته على المدرسة والمعلمين.

وبعد كل هذا، يجب ان نتوقف امام المأساة الأكبر، اين السم الذي يتم دسه في هذا العنف المتنامي؟ اهو في المناهج؟

لأنه، وبينما أطالب الاهل ان يأخذوا زمام التربية لأبنائهم، هل لي ان أتوقع بأن هؤلاء الاهل تربوا على مناهج مختلفة، وعليه هناك امل؟ ام ان ما يجري هو نتيجة طبيعية لنظام متكامل من التهالك للنسيج الاجتماعي الفلسطيني. بدأ وينتهي عند التربية والتعليم. فلا تربية بلا تعليم يرعى احتياجات الطلاب ويرقى بعقولهم ليرقي اخلاقهم.

7 أفكار بشأن “الضرب في المدارس : نتيجة طبيعية بوضع لا تربية فيه ولا تعليم”

  1. هناك عدة نقاط حساسة طرحت هنا.. وكل نقطة تحتاج إلى نقاش طويل ولكني سأبدأ بالنقطة الأولى هي نظام التعليم… ما زالت طرق و نظريات التعليم القديمة تطبق للأسف في مدارس البلدان العربية حتى وإن حاولت بعضها التزام نظريات التعليم الحديثة.. و هذا سبب رئيسي في تباطؤ حركة الوعي و الالتحاق بطابور الإبداع و التطور.. موضوع مهم جدا و يجب التوقف عنده طويلا… شكرا لطرح الموضوع

      1. العفو، اتفق معك. ولكن يمكن التعليم لم يعد هو الاهم في غياب التربية . اليوم في ظل انهيار مجتمعي واضح لا يمكن حتى التعويل على افضل الاساليب والمناهج التعليميه طالما هناك قصور بنيوي بالتربية

    1. المنهج الاوربى فى التربية و التعليم افضل – كما نستورد العلوم كيمياء و طبيعة و بيولوجى و هندسة و لغات فى مناهجنا التعليمية يجب ان نستورد طرق و لوائح و نظم التعليم و التربية

      1. المنهج الاوروبي يمكن بتطلب امكانيات بشرية نحن لسه مش مؤهلين معلمينا للتعامل معها. بالمحصلة هناك نظام متداخل ما بين المدرسة والجامعة بيصدر النتيجة الحالية. لهيك اللي بتعلم بالخارج بنصدم لما يرجع. فتخيل لما تنقل التجربة للتعليم الالزامي. كم واحد مصدوم ممكن تلاقي( اولئك اللي تعلموا بالخارج ورجعوا)

    اترك رد

    اكتشاف المزيد من نادية حرحش

    اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

    Continue reading