تخطى إلى المحتوى

دهاليز احلام: رسائل العشاق

لا اعرف كيف يمكن ان أعنون ما اكتب بهذه اللحظات. 

اعرف فقط ان خوفا ما يعتريني، وبداخلي ما يحارب هذا الخوف بلا عناء مسيطر بإحكام مستبد عليّ وباستهزاء. 

دغدغة ما… لا تشبه سابقاتها التي لم يسبق لها مثيل.  فأنا احترف الكذب عند هجوم الحب عليّ. كما احترفه عند استيقاظي من نشوة كتاب لم أقرأ ببلاغته وجماله كتابا من قبل. 

أنا اكثر الكاذبين احترافا عندما اصف حالة نشوة الكتاب الأفضل والحب الأول. 

فما اكثر كتبي التي لم اقرأ مثلها من قبل وحلفت بكل العظماء والقدرات الغيبية والوجودية بأنه كان الأفضل بلا منازع… 

كما بالحب فلم اشعر بحب يشبه هذا الحب من قبل. 

دغدغة..نمنمة ما… تأتي من مكان لا يتأثر بكل عوامل التغيير التي طرأت علي. لا اهتم ان كنت كاذبة من قبل … ما يهمني هو ما تقوله لي اللحظة… اللحظة التي تسقط كل ما سبقها وتلغي إمكانيات وجود كل ما يمكن ان يكون من بعدها.

كنت بهذا القدر من الراحة بتوصيف حالتي حتى وقت قريب. راحة استغربتها بهذا الكم من التماهي الذي اعيشه مع نفسي. 

لم اصدق يوما ان ما يقال عن قدرة الانسان على العيش مع نفسه تماما بلا حاجة لشريك حقيقية. على الرغم من ادعاءاتي الدائمة انني لا احتاج الى شريك، الا انني لطالما بحثت عنه. لطالما عملت لأكون بصحبة شريك يكملني. 

استمتعت وتماهيت مع مقدرتي بالعيش باكتفاء لا يحتاج الى رجل ليكمله. 

خفت ان أكون قد مسست او اقتربت من الجنون الفعلي.. فصارت اثارتي واكتفائي بكتاب اقرأه او مقال او مشروع كتاب اكتبه. عالم متكامل من الشغف والاكتفاء بين كتابة أكثر وقراءة أكثر. تنافس أكبر بين ما اكتبه أكثر ام ما اقرأه أكثر. وقد يكون الخوض في عالم النباتات في مساحتي المحددة جدا لهكذا إمكانيات، بالإضافة الى اطلاقي العنان لنفسي بأن أكون ما انا عليه. ان أكون ما تخيلته عني في محاولات متعددة وكثيرة بلا ارتياب او تخوف. 

ازداد شعوري بحاجتي بالتفرد مع ذاتي أكثر ويقين بعدم حاجتي الى آخر. 

حتى اوقفني مشهد الغروب في تكرار حاولت تجاهله مرارا… 

لم يكن الشعور مباغتا، ولم يرم علي بأمواج عاتية من الذكريات ولا المشاعر. 

استوقفني بتوقف الإشارة الضوئية بتكراراتها المحدودة جدا والقصيرة، ليعود تكرار نفسه بالشهر التالي أولا، ثم بأسبوع، ثم ليجدد تكرار نفسه أمامي في أيام متتالية. 

فتراكمت الذكريات الدفينة وحركت ركود مشاعر نائمة لم اعد أفكر انني احتاجها. 

مشاعر كتلك التي اكنها للأحبة … مشاعر عند يقين بها.. مستكينة بنفسها تدفق وجودها بداخلي من خلال مسلمات وجودي… كحجيرات قلبي الدائمة يتربع بها أصحابها بإحكام منذ زمن. 

تزامنا مع قراءة هنري ميلر وفجاجة مصطلحاته لا اعرف ان كان هذا محفزا لوقاحة مشاعري…فإطلاقها. 

مرة أخرى أجد نفسي محلقة في مكان لا ادعي انني اشتقته. 

مكان احلق فيه كمن يطير في لحظة هذيان… 

نمنمة تعتريني.. وجهي، يداي حتى أخمص قدمي. قلبي ينبض وكأنه يذكرني ان ما نبض به بالسابق كان هو حالة الاستكانة لا هذه.

وكأن ما مضى كان هو المكان الامن لا الآن. 

قلبي يتربع كمن يحمل سيجارة على مقهى ويتأمل المارة باستهتار. ينظر الى تسارع الحياة امامه ولا يأبه. فالحياة كلها عنده بفنجان قهوة وسيجارة عابث غير مدخن. 

وكالجالس المتباهي بالمقهى احوم حول نفسي، انشغل بالمارة من شؤون حياتي… ابعثر صفحة هنا وتقييما هناك. ادخل في نقاش عمل وسجال سياسة واعود ادراجي والوذ مع نفخة سيجارة اعرف أني لا اعرف من لذتها الا دخانها وادوخ بذاتي مع مكنوناتي واتنهد… 

اهو شوق توق لحبيب غاب دهرا كغيابه المتوالي؟

ام هو حاجة لشعور تركه الفراغ واملأه عنوة حنين الغياب؟ 

ام هو شعور مقدر هذه اللحظة كما كان مقدرا قبل ذلك وقبله على مدار السنوات؟ 

ام انها روح الكاتبة بداخلي تشتاق لضحايا تملأ حبر قلمها لتفرغها على الورق بلا رحمة. 

(يتبع……دهاليز احلام- رسائل العشاق)

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading