تخطى إلى المحتوى

حزب “الفتح” الحاكم والأمير بانتظار التتويج

ليست المسلسلات التركية سبب اللوثة التي قد تكون اصابت رأسي في ظل عروض الانتخابات المرتقبة القادمة. ليتها كانت المسلسلات التركية، لكان المشهد أكثر اثارة وحميمية وأقرب للوجدان الإنساني. ولكنه الواقع المرعب لهيمنة المشهد العربي الدكتاتوري الذي يحاول اولي السلطة بأقويائها فرضه كحل ممكن وحيد. مشهد متكرر لحزب البعث في هيمنته وحضوره وابديته ويقينه. وكأن لا مكان للشعوب الا بفضاء تلك الأحزاب، ولا قائمة لبلاد الا بأبطال تلك الأحزاب. ولست هنا بصدد الحكم على حزب البعث وتقييمه، ولكني بلا شك اريد ان اذكر بنتيجته. سقوط وانهيار وثورات تقلب ربيعها الى شتاء تلو شتاء ولم يبق من أثرها الا الدمار. دمار يأبى ان يتوقف. 

في ظل كل ما يتراكم من تقويض للانتخابات لكي تحسم لمصلحة فئة فتح التابعة للرئيس (في ظاهرها على الأرجح)، خرج رئيس الوزراء بمرسوم تعديل قانون الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية، تفرض فيه الحكومة سطوتها على الجمعيات لتخنق فرص عدم التبعية المطلقة للنظام الحاكم. في وقت كان على الحكومة الالتزام بتخفيف وإعادة النظر باللوائح الانتخابية التي تخنق الفرص من إمكانية الكثير من المهتمين بخوض تجربة الانتخابات من حيث العمر والمبالغ الكبيرة التي يتوجب دفعها للقوائم والاستقالات وغيرها على حسب تفاهمات القاهرة الأخيرة، ليضرب الشعب ومطالبه بعرض حائط اليأس من أي فرصة.  وأعلن الرئيس استمرار حالة الطوارئ لتكون الأراضي الفلسطينية التابعة لسلطته في حالة طوارئ لمدة عام كامل. 

عام كامل فرضت فيه حالة الطوارئ لأول مرة وكانت الكورونا تجول بطفرة خفيفة يمكن السيطرة عليها بإجراءات ارتأتها الحكومة الفلسطينية “طارئة” بخطوة استباقية للسيطرة على الفيروس المنتشر بارجاء العالم. ولتفتتح عاما جديدا من حالة الطوارئ بطفرة خبيثة تفتك ولا يمكن السيطرة عليها في ظل إجراءات وتقييدات على المواطن لا على الفيروس، ليتسنى للحكومة فرض القوانين وتغييرها لتقويض المواطن وتسريح الكورونا على هواها. فلقد استوطن الفيروس في كل الزوايا ويجوب الأجواء بحرية مطلقة. فلقد أمن اولي السلطة أنفسهم وتطعموا من الفيروس وصارت فرص استخدامه كاستخدام الشعب للتطويع والسيطرة والاستنفاذ بما تبقى من سطوة. 

والانتخابات هكذا بالنسبة لهم، فرض لشرعية التطويع والسيطرة والسطوة على شعب تمارس عليه السلطة لكي يعش أصحاب السلطة. الشعب موجود لتعيش السلطة. الشعب في خدمة السلطة. الشعب عبد السلطة المطيع. الشعب يجب ان يلتزم ويحترم نفسه ويسمح للسلطة بان تزهو تزدهر بأصحابها ليكونوا فخرا لهم. 

فضيحة التطعيمات التي وصلت الأردن بسبب امتهان السلطة بالاستخفاف بشعبها، فطالت الحكومة الأردنية، استخفافا منهم كالعادة، وكأن ما ينشرونه على الاعلام الفلسطيني يبقى في فضائهم المتحكمين به، ليست أكثر من حديث شعب يعتش على النميمة، فلا هم يتأثروا بما نقوله ولا نحن نتوقع تأثرهم. فقافلتهم تسير والشعب وراءهم ينبح. اصواتنا ليست أكثر من نباح بالنسبة لهم، يمكن اسكاتها بعظمة أحيانا، ويمكن رميها بالسم أحيانا والرصاص أحيانا والاعتقال والتهديد احيانا. 

وبينما تسير القافلة نحو التتويج بالانتخابات، يبدو السباق الداخلي كمؤامرات قصور السلاطين في المسلسلات التركية. ولكن في تركيا ومسلسلاتها كان هناك سلطان وسلطنة ممتدة، واحتدام من اجل سيطرة لنفوذ حقيقي. وفي مسلسلنا الفلسطيني فالاحتدام على مناصب يعيش من خلالها هؤلاء على قوت الشعب وحياته تحت احتلال يطال الأرض والسيادة، ليُخيّر بالنهاية إذا ما أراد وطنا أكثر ام أموالا أكثر. أموالا تعني هنا قوت عياله وما يعيله للبقاء على الحياة. 

ومع تزايد الجنوح في صف فتح الرئيس بخروج أحد أعضائه لتشكيله فريقا جديدا، تتقلص فرص الشعب بالوصول الى بقعة امل ممكن الإمساك به ولو من بعيد. سيطرة محكمة على الشعب من كل الاتجاهات. حزب الرئيس وملتقى المتجنح وتيار المخلوع وقائمة الحردان والزعلان وغيرها من قوائم قد تتشكل من افراد الحزب الفاتح الاقطاعي البعثي الطموح. 

خلال أعوام من خلعه من مقاعد مركزية فتح، قام الدحلان بمحاولات تأسيس لتيار جديد ولكنه ابدا لم يحاول الخروج عن الصف الفتحاوي، وكأن في فتح قوة تمنحهم نفوذا شعبيا اخر، وقد يكون هذا الامر صحيح. فهؤلاء قوتهم مستمدة من فتح وليس العكس. ومما لا شك فيه، عمل الدحلان وفرقه الكثيرة بلا كلل، ونفوذه اليوم على الأرض ليست اعتباطية ولا وليدة اللحظة. الا انها كانت دائما وبقيت تنظر الى الامر وكأن مركز القوة هي فتح، وكأن فتح من تعطي وتمنح، والآخر دائما غريب عن فتح مهما تقرب منها ومهما تم استخدامه لمصلحتها. غريبة تلك التوليفة الفتحاوية التي جعلت من فتح هوية خاصة انفصلت تدريجيا وبإحكام عن الهوية الفلسطينية الجامعة التي ميزت فتح منذ نشأتها. فتح التي كانت تشكل كل اقطاب المجتمع الفلسطيني، صارت فتح النخبة السلطوية الخالصة بأفرادها الممتدين والمؤازرين لها. 

وفي حمى السباق على تشكيل قوائم تقدم من خلالها فتح شخصيات يمكن تقديمها من حيث الكفاءات الحقيقية، تجد فتح نفسها في ازمة حقيقية لغياب الكفاءات الحقيقية في صفوفها، وان وجدت فهي منتفعة ولقد دمغتها السلطة بملفات الفساد المعلنة والخفية ومزايا واستحقاقات لا يمكن لأصحابها الاستغناء عنها ولا التنازل عنها ولا التنكر منها. فالتسريبات المعلنة تتزاحم نحوها التسريبات غير المعلنة في تدفق لا يستطيع المواطن متابعته على الدوام. 

فكما انتأت فتح بنفسها عن الشعب بنخبوية سلطتها القائمة، دمغت افرادها بما أفقد الشعب الثقة تماما بكل ما يمثلها. لتقلّ فرصها الحقيقية باختيار الشعب بفئاته الغاضبة الكبيرة لها. فشعار الشارع بكل اقطابه التغيير، ولا يصدق حتى طفل مميز التغيير القادم من فتح التي تصلّب وجودها بأفراد مستنسخين بهيئات جديدة، فالشيب منهم صار لهم من الشباب من يتربع على مراكز القوى ويفحط بعجلات السيارات بالشوارع ويقول لسان الأبناء بثقة “هذه البلد إلنا”، تمثّل في جوهرها ما يبعد الشعب عنها أكثر، فيصدّقون ان التغيير يمكن ان يكون بنخب أكثر علما ووجاهة وقدرة على التأثير ولكنهم من الصعب جدا ان يستقطبوا النزاهة. 

النزاهة، تلك الصفة التي لا يمكن ادراجها بشخصيات الحكم في السلطة الفلسطينية وأصحاب رأس المال والاعمال والمنتفعين من نخبهم الاكاديمية والثقافية. فما تكاد تقول عن انسان منهم محترم، حتى تجده غارقاً في مستنقع فساد سيُكشف عنه مهما طال الوقت، لان هذه السلطة تجمع ملفات الفساد وتستخدمه الا كورقة اذلال لمقايضة وابتزاز لا لمحاسبة. 

جنوح ناصر القدوة، الأمير المدلل في فتح بسبب علاقة القرابة التي تربطه بالرئيس الراحل عرفات، يشبه في ظاهره تحدي دحلان، ولكنه في باطنه قد يخفي تحالفا يراد منه جمع النخب غير الفتحاوية لضمان أكبر عدد من الأصوات الانتخابية التي تبحث عن التغيير في حلة مختلفة، ولكنها تبقى محافظة على الثوب الفتحاوي النخبوي والسلطوي. وكأنه يريد بتشكيله كتلة انتخابية غير فتحاوية، ضمان الهوامش المبعثرة الباحثة عن فرصة أخيرة لدخولها قصر السلطة عبر بوابة فتح الجانحة. 

ويبقى عالقا في رأسي تأكيد القدوة بلقاء صحفي واسع بالأمس عبر الزوم عدم نيته تشكيل قائمة ليكون أحد مرشحيها، لان التشريعي ليس طموحه بكل تأكيد. الحقيقة ان ايماءته بالرد على ذلك السؤال كانت اهم من رده نفسه. فكان لسان حاله يقول: هل تسمع اذنيك ما يقوله لساك؟ هل أحتاج “انا” الى مقعد بالتشريعي؟” وكان لسان حالي يقول في رد على لسان حاله: ” إذا ما كنت مترفعا عن التشريعي، فلم كل هذا العرض؟ فالتشريعي على ما يبدو لهؤلاء فرصة للرعية على تولي مناصب يخدمون من خلالها أصحاب العرش.

وعند سؤاله عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية كان رده: إذا لم يرشح مروان البرغوثي نفسه، فلك حدث حديث. وعند سؤال صحفي اخر عن سبب عدم إعطائه جوابا مباشرا عن نيته بالخوض كمرشح رئاسي، كان جوابه بنفس الطريقة التي مهما حاول تغليفها بلباقة الإجابة: شو المش واضح مروان البرغوثي ولكل حدث حديث. 

حتمية الرئيس القادم بنية ترشح أبو مازن أولا ومروان البرغوثي كالشخصية الوحيدة التي يمكن ان تتحدى رئاسة الرئيس الابدي الحالي، تأخذنا مرة أخرى لعنجهية الحزب الذي يرى بنفسه الوطن. كل ما يجري متعلق بهم. وكأن فتح هي فلسطين. وكأنه لن يكون هناك فرصة، او بالأحرى ان الامر محسوم لهم. لمن يقرروه مندوبا ومن يقرروه رئيسا. 

والقدوة في جرأته المعلنة، ليس أكثر من ابن نظام مدلل، يجد احقيته البديهية بالحكم والتحكم. فلقد تجنح ولكنه لم يترك الحزب الذي إذا ما تركه يعرف جيدا ان لا بقاء له الا كالشعب، ومن يريد ان يكون شعبا في هذا الوطن المبتلى بأمراء الطائفة؟ 

“فتح” بشعارات الانجازات أغلقت على افرادها بوابات الحكم واستنفذت، تحتاج اليوم الى إعادة شرعية لا يمكن ان تمنحها شعارات فارغة من مضمون يملأه فقط عدم ثقة الشعب العميقة والتي صارت أسبابها متأصلة، ترتد يوميا بمراسيم وقوانين وانتهاكات تطال المواطن وتسحقه وترميه في هاوية المجهول.

نحتاج الى فتح طريق تغيير نعيد فيه بناء هويتنا التي تمزقت وتهشمت وصارت على هامش حياتنا.. لا فتح فئة تتسلط على الشعب وتجعل منه شعار هويتها. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading