تخطى إلى المحتوى

القدس، تسريبات المركزية، هجوم الكتروني من الأجهزة الأمنية على الشعب، والانتخابات 

القدس، تسريبات المركزية، هجوم الكتروني من الأجهزة الأمنية على الشعب، والانتخابات 

هل تتداخل الأمور بسبب تزاحم الاحداث، ام انها متصلة؟ 

بكل الأحوال هناك الكثير مما يحدث. ولا تزال “ردة الفعل” هي سمة الوضع. 

وهذا ما هو مخيف بالفعل، نحن شعب يقوى فقط على ردة الفعل. او بالأحرى نحن شعب تحركه ردة الفعل. 

ردة الفعل هي ما نقوم به فقط. 

وردة فعلنا هذه مهما طالت او قصرت تبقى ردة فعل.

 لنبدأ بما يحرك ردة فعلنا هذه اليوم. بين انتظار لتأجيل او الغاء انتخابات، وبين تدهور وضع بالقدس باشتباك مع الاحتلال وبين تسريب تسجيل للرئيس الفلسطيني يشتم به كل العالم الا من يقوم الشعب بالاشتباك معه بهذه اللحظة؛ إسرائيل. 

نحن بانتظار ردة فعل عند اعلان تأجيل الانتخابات او الغائها. سنصاب بالصدمة وسنصرخ وسنعترض لعدة أيام ونحلل ونهدد ونسكت من جديد بانتظار اعلان اخر سيأتي ربما ذات يوم، ويبقى الوضع على ما هو عليه حتى يأتي الله امرا كان مفعولا.

لا نتكلم عن خطة، لا نتكلم عن ابعاد هذا الامر، ولا نتكلم عن بدائل. نتكلم فقط عن تسجيل موقف اعتراض. 

سأبدأ من هنا، ما الذي يمكننا عمله في اللحظة التالية لتأجيل الانتخابات او قبلها حتى ونحن نعرف انها اتية. 

اليوم، نحن الشعب نشكل قوة إذا ما كانت القوائم التي وصلت الى ٣٦ تمثلنا. أي ان هناك أكثر من ٣٠ قائمة لا تنتمي الى الأحزاب المهيمنة في هذا الوطن، ولا تريد للانتخابات ان تلغى. في وقت يبدو الرئيس الفلسطيني وأصحاب السلطة في وضع صعب للغاية، فالقطار قد اقلع ولم يعد بالإمكان العودة بالزمن خطوة الى الوراء. ما ينتظرنا هو فرصة توقف هذا القطار في المحطة القريبة القادمة للاستعداد لما سيتلوه من محطات. نعرف جميعا ان قدرة هذا القطار لا تحتمل أكثر من مسافة محطة، وهدفنا ليس محطة تالية فقط، هدفنا الذهاب الى عملية تغيير إصلاحي تسود فيه التشريعات عن طريق عملية ديمقراطية حقيقية. والقطار الذي اقلع بنا معطل منذ سنوات، لا يمكنه حملنا الى محطتنا المرتجاة بكل تأكيد. هناك حاجة لعملية صيانة أولية وترتيب للسكة قبل المضي قدما. وعليه، تبدو فكرة تأجيل الانتخابات لأجل قريب نهيّء ما نحتاج تهيئته ونصلح ما يمكن ان نصلحه لنتقدم نحو هدفنا هي فكرة صائبة، وان كان قرار اجراء الانتخابات قبل أشهر قليلة، حقاً يراد منه باطل. هنا يبدو التأجيل باطلاً يراد منه باطل بالفعل، ولكنه يحتمل معاني حق. فكلنا نعرف ان اجراء الانتخابات كان من اجل اقتسام السلطة التي بدا لهم اقتسامها سهلاً لتكريس شرعيتهم. وتأجيلها يبدو كذلك واضحاً في ظل عدم حتمية حسم نتائج الانتخابات على حسب التوقعات، وعليه يبدو المشهد أقرب الى الرعب منه الى إضفاء واقع ديمقراطي الملامح. لأن هؤلاء لن يتركوا السلطة، وعليه لن يتركوا للنتائج ان تأتي بغير ما يريدون، وما نراه من انفلات أمني بدأ بالتدحرج يوميا من خلال “طوش” وعربدة وإطلاق نار سيأخذ بالتأكيد منحى اخر إذا ما حسمت نتائج الانتخابات بعكس التوقعات لكل الأحزاب المتصارعة على إعادة شرعيتها او فرضها. 

وهنا نأتي الى القدس واستخدامها كحجة يلوح بها لإلغاء الانتخابات لا تأجيلها، لأن الشروط التي وضعها أبو مازن لإجراء الانتخابات في القدس بعد موافقة إسرائيل تعجيزية في فقه العيش تحت الاحتلال. فإصراره على ان الانتخابات في القدس ستأخذ شكل الترشح والانتخابات والدعاية فيها تؤكد ان المطلوب اشتباك لا انتخابات، وهذا ما بدأ بالفعل بالقدس. 

من يعيش في القدس يعرف ان أسهل ما يمكن حدوثه هو اشتباك ينتهي الى إصابات واعتقالات ولا قدر الله إزهاق أرواح. فنحن امام مواجهة مع احتلال تجتمع قواه وعتاده كلها ضد سكان عزّل محكومين بقوة قانون احتلالي، يصدر ما يريده من قرارات ويقوم بكل ما يرغب به من ممارسات قمعية وتنكيليةواضطهادية وتعسفية كلما سنحت له الفرصة، أي فرصة. 

فمبدأ العيش تحت الاحتلال يؤكد على هدف لم يتغير منذ بدء الاحتلال: الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت. فكل فلسطيني يقع او يسقط او يموت هو ظفر للاحتلال. 

كل فلسطيني يتم اعتقاله هو انتصار للاحتلال. 

كل فلسطيني تتم اصابته هو نشوة للاحتلال 

كل فلسطيني تتم محاكمته او توقيفه هو طريقة لاستنفاذ أموال السكان وإحكام السيطرة عليهم. 

فما الذي تغير منذ يومين لتخرج القدس عن بكرة ابيها؟ 

رمضان بالعادة يستدعي هذه التنافرات. 

يكرهون رؤية الناس مستمتعة تحاول العيش ولو بجزء من الطبيعية. 

ورمضان بالعادة يسجل حضور القدس العربي في أبهى صورة. لا يمكن التفوق على هذا المشهد. ولا يمكن للقدس ان تكون أجمل وأبهى منها في رمضان على مدار شهر كامل. 

بدأ الشهر بعراك داخلي على مكان وقوف سيارة بين عائلتين بعد الإفطار اودى بحياة شابة في مقتبل العمر، وعطوة عشائرية لم تفضِ الا للمزيد من الاحتقان في وقت لم يعد المواطن يعرف هل يلجأ للقانون ام للنظام العشائري. لنجد أنفسنا مرة أخرى وسط تحيز حقيقي وتواطؤ للاحتلال الذي يسمح بغياب القانون أحيان لتسود العشائرية والقبلية والفوضى الحالة الفلسطينية. 

ولكن، في اليوم التالي – الذي بدا فيه المرء من التوتر غير محتملٍ لأزيز ذبابةٍ أمام وجهه – انتقل الاشتباك هذه المرة ليكون مع الاسرائيليين. اين كانت هذه الحمية مختبئة؟ 

ما الذي تغير منذ يومين لما كانت عليه الأمور قبلها؟ 

اين كانت هذه الحمية بينما يجول المتطرفون من المستعمرين المسجد الأقصى يوميا؛ يوميا بالمعنى الحرفي للكلمة؟ 

اين كانت هذه الحمية مع كل بيت يتم تسريبه الى مستعمرين، مع كل بيت يتم هدمه. مع كل ارض تتم مصادرتها، مع كل مؤسسة تم اسرلتها، مع كل تنكيل يمارس على مرأى العين ضد عابري الطريق من الشعب بكافة أعمارهم، من القرارات والممارسات التعسفية التي نتنفسها مع حياتنا في هذه المدينة؟ 

هل نحتاج الى ردة فعل لأفعال الاحتلال؟ 

اين نحن من مخططات وادي الجوز، باب الساهرة، شارع صلاح الدين، الشيخ جراح، الحوض المقدس، شاليم والقطار الذي التف حول احياء المدينة كالأخطبوط والقطار الهوائي الذي يشق طريقه في فضاء المدينة، والانفاق التي تدق بالمعاول تحت البيوت؟ اين نحن من المستعمرات التي تخرج من جانب بيوتنا وتبتلعنا على مرأى العين؟ 

اين نحن من التطبيع والتبعية؟ اين نحن من التجنيس وأين نحن من الهرولة الى مشاريع البلدية؟ 

هل نحتاج للاشتباك مع متطرفين لنعيش مرة أخرى ما عشناه بمحمد أبو خضير؟ احمد مناصرة؟ هؤلاء القتلة جابوا الشوارع بينما كنا امنين ساكنين على أنفسنا في حاراتنا. فهل نوقظ اجرامهم اليوم لنبكي حرقة شهيد جديد؟ هل الاعتقال والتوقيف وسم يتباهى به الشباب ام انه حرقة قلب ومعاناة ورعب ام على ولدها و حيرة اب من اجل تأمين مبلغ باهظ لمحامٍ ومخالفة وكفالة؟ 

هؤلاء يستمتعون بردود افعالنا ليستحوذوا علينا أكثر. ليزيد تنكيلهم بطشا وليشدوا الخناق على حياتنا أكثر. لمَ نعطيهم فرصة نخسر فيها روحا جديدة. لم نعطيهم فرصة تكون الزنازين هي المكان الذي يكبر فيه ابناؤنا؟ لم نعطيهم فرصة ليشدوا من بطشهم علينا؟ 

تتراوح الاتهامات بيني وبين ابنائي هذه الأيام، متهمينني بالجبن والتخاذل. 

أجد نفسي اصارع من اجل اقناعهم ان ما يجري ليس نضالا ولكنه ردة فعل لما هو ليس لمصلحتنا. ردة فعل لما سيؤول علينا بالخسائر والمصائب. سنبكي أبناء وسيحترق قلبنا من اجل احبة، وسنذوق طعم المرارة والذل امام قاضٍ عيّن ليكون غريما لنا. 

ما يجري ليس نضالا من اجل القدس. النضال ليس كذلك. النضال ليس هبة لحظية يحركها أصحاب مصالح يريدون مآرب أخرى من خلالنا. 

القدس عنوان الاشتباك الدائم نعم. 

ولكن القدس عنواننا. 

عنواننا الذي نريد ان نبقى صامدين فيه. نشتبك يوميا في النضال من اجل البقاء لا النضال من اجل الزج بالسجن او القتل لكي تعلّم السلطة لنفسها إنجازا على حساب أبنائنا. 

القدس تحتاجنا أقوياء سالمين لا محتجّين سينتهي بهم المطاف في غرف التحقيق الكاتمة. فلو كان الاحتجاج هكذا في كل المواقف التي يجب التصدي لها لكان وضعنا افضل منذ زمن. كم من القضايا علينا الاحتجاج عليها ولا نحرك بالعادة ساكنا خوفا وحرصا وتنبها من بطش اكيد؟ 

فلو كانت القدس وجهة أصحاب السيادة لما كان هذا حالنا، لكان الرئيس الفلسطيني في معرض موجة الغضب التي اجتاحته في خضم التسريب الذي انتشر كالنار في الهشيم من اجتماع مركزيته، خص إسرائيل ببعض من مسباته. الا انه حتى في أشد لحظاته عصبيةً ترك إسرائيل تفلت من جماح غضبه.

وانتهي هنا ربما، بهذا المشهد الفكاهي الساخر لما جرى بالتسريب الذي تزامن مع اعلان شركة فيسبوك احباطها عملية تجسس الكتروني يقوم به جهاز الامن الوقائي الفلسطيني وجهاز اخر تابع لحماس هدفهما اختراق حسابات ومراقبة المعترضين ربما من البشر على حكمهم من صحافيين وشخصيات مجتمعية واعتبارية وغيرها. 

فبينما يتجسس جهاز الامن الوقائي على الشعب، خرج التجسس من عقر دار الرئاسة الفلسطينية في تسريب ان دل على شيء، يدل على ان الرئيس الفلسطيني في وضع مأساوي المآل. 

فاذا ما كان الاختراق يسجل من قبل أحد الأشخاص الأقرب له، أحدهم الذي اختاره هو شخصيا كأحد رجاله البارزين، بعد كل الانقلابات الأخيرة التي حصلت منذ القدوة والبرغوثي. فعلى الرئيس الفلسطيني ان يعيد حساباته في كل شيء، فهو ليس في وضع يطمئنه إلى ضمان حتى فوز بسيط في الانتخابات المزمعقيامها، كما انه ليس بضامن لأقرب رجاله. بالإضافة الى السبب الذي جعل الرئيس الفلسطيني يخرج عن طوره لهذه الدرجة، فبينما الرجل يحاول التعامل مع كل المصائب فوقه، يخرج احد كبار رجاله ليقول له انه وصل اليه فاكس بمئوية الحزب الشيوعي الصيني. بجد، الرجل بواد والاخ الكبير امامه بواد اخر. يعني، يضعنا هذا الامر أمام السؤال عن حجم حنكة وذكاء رجال السلطة الأهم المتحكمين بزمام حياتنا. 

هذه هو بكل اسف البديهي لقيادة بنيت على كل هذا الكم من الأخطاء في كل شيء. تتمثل في اشخاصها بهذه اللحظات كنتيجة لهذا الانهيار. 

في وقت ما، يجب علينا التفكير بجدية بالآليات التي يجب ان نتوافق عليها إذا ما حصل تأجيل للانتخابات، وفي وقت آخر يجب علينا الا نسمح لإسرائيل بتجزئتنا أكثر والتنكيل بنا أكثر، وفي الوقت الذي يجب ان ننتفض بالفعل على محاولة انتهاك الامن الفلسطيني لخصوصيتنا. نركز جميعنا على هوامش ستزيدنا تشتتا وتبعدنا أكثر عن املنا بتغيير حقيقي. 

في الوقت الذي يجب ان ننتفض لما يتم الترتيب له من تقسيم الأقصى وتهجير السكان من بيوتهم والتصدي لخطط تشويه معالم المدينة لصالح مشروع الأسرلة، نترك شبابنا ليشتبكوا مع مستعمرين متطرفين حاقدين متعطشين لقتل أبنائنا.  مهما حاولنا فضحهم هم أصحاب القوة والهيمنة، فالسلاح معهم والقانون معهم والتشريعات معهم، امام محقق وقاضي وجلاد ونظام ينتظر بفارغ الصبر الضحية الفلسطينية التالية التي ستزج بلا رحمة في غيابات السجن. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading