تخطى إلى المحتوى

وها قد صحينا على اليوم التالي لتأجيل الانتخابات

.مرت ليلة طويلة من الانتظار على الشعب الفلسطيني. اعلان تأجيل الانتخابات المتوقع او عدم اعلان التأجيل 

التأجيل كان المتوقع الأكيد منذ لحظة الإعلان عن الانتخابات. وفهم سيكولوجية الشعب هو اهم ما يجري في هذه الرحلة ما بين الشعب والسلطة

.هم يعرفوننا جيدا … يكمن هنا مربط الفرس

.راس مالنا كما يقال ردة فعل تمتد الى بعض الأيام ونلتهي بقصة جديدة 

.هذه المرة استنفذتنا هذه القصة حتى رمقها الأخير 

.اعترف، ان قرار التأجيل المتوقع كان الأهم منذ اشتعال حمى الانتخابات. عشنا التجربة وانتهينا. خلص

هل كنا مستعدين للانتخابات وفقدنا فرصة؟ 

هل الإعلان بالتأجيل الابدي للانتخابات تجسيد للبقاء الابدي للسلطة الحالية؟

لا اعرف كم التقطت من كلمات الرئيس المهمة بالأمس، كنت ابحث عن مبتغاي فيها. كنت انتظر فعلا حقيقيا يصب فيمصلحة هذا الشعب. كنت أتمنى ربما لحظة يقظة حقيقية في ضمير الرئيس. 

.بين كلمته الافتتاحية وكلمته الختامية يكمن كل شيء 

في الكلمة الافتتاحية شدني اليه. صدقت منطقه. وافقت مع معظم ما قال. كان امام مرافعة حقيقية. مرافعة مكتوبة بإحكام. كيف تحولت القدس بالفعل الى مركز كل شيء. هي بالفعل كذلك. ولكن اين كانت من قبل؟ 

قد يقول قائل، كيف اكتشف الرئيس أهمية موافقة إسرائيل على اجراء الانتخابات بالقدس؟ لماذا ذهب الى اصدار المرسوم قبل ان يتأكد من موافقة إسرائيل او رفضها؟ 

.هناك متطلبات يجب استيفائها من اجل الخوض في موضوع الانتخابات، على حسب ما رأينا موافقة إسرائيل أحدها 

ولكن من يعترض منا على ان قرار اجراء الانتخابات لم يكن قرارا يراد به اجراء انتخابات توافق عليها إسرائيل؟ كان المطلوب من اللحظة الأولى هو اقتسام المنقسمين للسلطة عن طريق انتخابات محسومة وفق مخططتهم. اعلان وشروط مجحفة وتحديدات متقنة الملامح وموعد سريع يتم فض “المولد” من بعدها بسرعة، ونستمر بالعيش ضمن المنظومة الحالية التي فقدت شرعيتها بالفساد والمخاصمة وستعيد شرعيتها بالمحاصصة والاقتسام 

.استخدام القدس كحجة لتأجيل الانتخابات بدا عبثيا للوهلة الأولى 

.هناك الكثير مما يمكن عمله إذا ما كانت النية حقيقية. ولكن الطريق الى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة كما يقال 

وهنا، لا اعرف كيف تحولت نوايا الرئيس الذي يريد من الانتخابات فرصة لإعادة شرعية نظامه، الى نية حسنة معبدة بالشياطين المنتظرة الى جهنم. لأنه مهما حاولنا النظر الى الامر بطريقة مغايرة، فانه وبالفعل، الاستمرار قدما نحو الانتخابات باحتمالية ان تمنع إسرائيل اجرائها بالقدس تبقى واردة جدا. بل هي أكثر الاحتمالات ترجيحا بالحصول. لأن إسرائيل ستمنع ذلك بلا شك. فالقدس بالنسبة الى إسرائيل منطقة سيادية بلا منازع. وكيف لا، والقدس بين فكيها منذ عقود متروكة للأسرلة في أحسن أحوال الاحتلال، والتنكيل والتهجير والتعجيز والترحيل والاقصاء والعنصرية والضغط كفعل يومي يتنفسه اهل المدينة مع كل نفس بهذه الحياة 

طبعا، لو كان هناك بعض الحكمة في محيط الرئيس لرأينا تجهيزات مسبقة، لكان الرئيس قد اختصر على نفسه كل هذا الحرج ودعا الى حكومة وحدة وطنية قبل إعلانه عن الانتخابات وخرج من هذا المأزق. لكان اهون واقل ضررا التذرع بحكومة وحدة وطنية قد تفشل وقد لا تتوحد وقد لا تقوم بأي من شروط قيامها بحجج كثيرة حقيقية وأخرى جاهزة. ولكن لنا ان نتخيل نوع محيط الرئيس من حفنة الحكماء، فما رأيناه من تسريب خرج الرجل فيه عن طوعه ولم ينج من جموح غضبه أمريكا ولا روسيا ولا الصين ولا العرب مجتمعين، يؤكد ان الحكمة ضالة في تلك الدائرة التي يتم تحديد مصير الشعب الفلسطيني بداخلها. 

دخل الرئيس شِرك الانتخابات بحماس متهور. لم يدرس الامر جيدا، ولم يدرس التوقيت جيدا، ولم يدرس شعبه الذي لا يمثل أجهزة امنه المحسوبة جدا عليه. لم يفكر الرئيس بإحباط الشعب اليومي، ولم يفكر بالفساد الذي ينخر بمنظومته، ولم يفكر بأن هذا الشعب مثله لا يمكن التحكم به الى الابد. كل ما فكر الرئيس به هو عدم إعطاء عدوه الحالي فرصة للاستقواء. 

ولكن ما جرى ان أعداء الرئيس تضاعفوا. فلم تعد حماس الخصم الوجودي الأكبر، ولم يعد كذلك دحلان الخصم الوحيد، بل انضم الى صفوف الخصوم أبنائه المخلصين (الذين كانوا مخلصين على حسب تقديره) القدوة والبرغوثي. وطبعا، بالإضافة الى التأكد ان الشعب ليس بالساكن كما كان متوقعا. فهذا الكم الكبير من القوائم التي وصلت الى الترشح بالرغم من العراقيل التي رسمتها بنود مراسيمه ومحاولات البطش والترهيب التي مارستها اجهزته يؤكد ان الشعب ليس مجرد فصائل لم تستطع ان تشكل قوائمها، يلتهث افرادها على اقتسام يطالهم في اذيال القسمة على السلطة. يتم ترضيتهم أبخس الاثمان ويصمتون كما هو حالهم الدائم. 

بدأ التحجج بالقدس واهيا، حتى بدأت ردود الفعل الفلسطينية نفسها بالظهور. وهنا اعترف بأنني استشعرت الخطر. الخطر الذي قد تترتب عليه انتخابات بلا القدس. 

بعيدا عن الشعارات الرنانة للقدس أولا والقدس موعدنا والقدس بوصلتنا والقدس طريقنا وحلمنا ودرتنا، احتمالية ان تجري انتخابات بدون القدس يعني التصفية الأخيرة المحكمة للقضية الفلسطينية. 

يبدو الامر مثيرا للسخرية عند القول على حسب تصريح الرئيس بكلمته الختامية ان الانتخابات بهذا وضعت مع مسائل الحل النهائي كالقدس واللاجئين، وقد يكون هذا أفضل من حسم الامر كما نعيشه يوميا بتآكل الأرض بداخل المستعمرات واسترحام التنسيق ووصول حلم الانسان الفلسطيني في جل اوقاته الحصول على تصريح من اجل إيجاد فرصة عمل في سوق العمل الإسرائيلية. 

وهذا على الرغم من كل التحفظات على النوايا من ورائه، يبقى أفضل من احتمالية التقدم أكثر نحو الانتخابات بحيث لا يمكن تأجيلها، وتخرج القدس من حساباتها. 

عندما يكون حال بعض القوائم او المرشحين او المحللين بأن القدس بالمحصلة لا قوة انتخابية حقيقية أصلا لها. او ان العدد المسموح بإدلاء صوته بصناديق الاقتراع بداخل المدينة لا يصل الى الستة الاف. او ان هناك قضايا ملحة أكثر تستدعي اجراء الانتخابات مع المودة والمحبة للقدس. في هذه الحمى التي اصابت المتلاحمين من اجل الوصول الى التشريعي، وفي كل مرة كانت النفقات ستزيد والخسائر ترتفع وتيرتها كانت النتيجة ستؤول بالفعل الى مفاضلة المصالح الخاصة على حلم القدس وموعدها وبوصلتها ودرتها. 

الانقسام الحقيقي الحاصل هو الشرخ الوجداني الذي فصل الشعب الفلسطيني في معازلة الخاصة، ولم يعد أحد يرى الا من خلال معزله، وكل ما يترتب على ذلك يدخل في نطاق الشعارات الصاخبة او الرنانة.. علي حسب الحاجة. 

في وقت اخذتنا الحمية نحو حاجتنا لانتخابات، وهذا حق بديهي وواجب، نسينا اننا لا نحتكم فقط في قراراتنا الى إسرائيل التي ننتظر قرار ايجابها او رفضها، ولكن هناك إقليم تدور الأمور كلها في فلكه. اتفاقيات التطبيع الأخيرة، وخطة ترامب والتجاذبات الدولية الإقليمية الحالية ومتنافراتها، كلها تصب في فلك القدس إذا ما أراد المتآمرون على هذه القضية التخلص من القدس بلحظة قد تكون مصيرية تمنع فيها الانتخابات بالقدس باللحظة الأخيرة وتستمر الانتخابات…. فتنتهي مسألة القدس الى حسم تنتظره إسرائيل وحلفائها الكثر، ومنهم على تلك القوائم بانتظار حلول إقليمية لمصلحة من يمولون حملاتهم. 

نعم… تحول موقف أبو مازن الحاسم هذه المرة لموقف مصيري مهم، الهدف الحقيقي منه هو التخلص من الانتخابات التي لم تكن ستحسم نتائجها لمصلحة حزبه، وبالتالي كادت بالفعل ان تكون نهاية فتح كتنظيم أساسي مهيمن. ولكنه بالفعل قد يكون استشعر خطرا أكبر، والحقيقة انه وفي ظل ما جرى بالأردن أخيرا وربط الأمور بالقدس وتصفيات وحسابات عابرة للإقليم من خلال القدس يجعل من الامر أكثر من توجسات رئيس يخشى خسارة ممكنة لحزبه في الانتخابات.

فهنا… يأتي فعل “الله” وهو الأكبر …. في حماية القدس من خطر اكثر خطورة من انتخابات لن تقدم الكثير ولن تغير الا اصطفاف جديد لوجوه مختلفة في بعضها. 

وانتهت كلمة الرئيس الختامية بانتصاره.. فلقد تمكن من الغاء الانتخابات بتوليفة محكمة او غير محكمة لا يهم. ما يهم ان هذا الكابوس انتهى الان… وعليه، كان يستطيع ان يتكلم عن انتخابات حتى اجل غير مسمى، وحكومة وحدة او فصائل على راحتهم ورحة حماس عندما ترغب الأخيرة بالجلوس. 

انتهت حمى الانتخابات ولقد ذاب الثلج ورأينا ما يخبئه المرج…. 

سنرى بعد الكثير من التحولات والانقلابات في المواقف والاصطفافات. ومن كان بالأمس ضد سيكون مع…. مع القوي القادم الواقف مهما كان.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading