تخطى إلى المحتوى

إرأف بقلوب الأمهات يا موت: فلسطين كلها ثكلت بموت سهى جرار…قلوبنا اليوم قلب خالدة

إرأف بقلوب الأمهات يا موت: فلسطين كلها ثكلت بموت سهى جرار…قلوبنا اليوم قلب خالدة

ما أصعب الموت. 

ما اقساه.

كم مفجع وقعه.

فجعت فلسطين برجالها ونسائها. بآبائها وامهاتها واخوانها واخواتها بخبر موت الشابة سهى جرار. سهى التي قطف منها ٣١ ربيعا ليخطفها الموت. 

كل اخبار الموت مفجعة، صادمة، مؤلمة، موجعة. ولكن هذا الخبر وقع كالصخرة على قلوبنا. 

عقولنا وقلوبنا ذهبت الى خالدة جرار القابعة في زنازين الاحتلال. كيف يمكن ان تتلقى الام خبر وفاة ابنتها؟ 

هل هناك أقسى من هذا؟ 

كيف ستعرف؟ من سينقل لها الخبر المفجع؟ 

من ستحضن؟ لمن ستصرخ؟ كيف لها ان تصدق؟ 

كيف للموت ان يخطف طفلا من حضن امه؟ 

رحلت سهى طفلة بخطف الاحتلال أمها منها على مدار السنوات. وبقيت صورتها بتلك التي علقت عليها أمها بقلق وشجن والق ام تتوق الى حضن أبنائها. 

لا اعرف ان كان وجعنا والمنا وحرقتنا على هذا الموت المؤلم يمكن ان يخفف وطء الكارثة على الام التي كانت تعد الأيام بالتأكيد للقاء او مكالمة. 

ما ذا نقول لام ضحت بحريتها من اجل ان تكون ايقونة للحرية. ام ضحت باحتضان بناتها لكي تكون قدوة لنات فلسطين. 

ماذا نقول لام رحلت ابنتها للتو من هذه الدنيا الدنية ولا تعرف عن ابنتها الا لحظات سابقة للتو لأحلام قادمة. 

ربما كانت تحلم بخروجها والاحتفال بتخرج او خطوبة. ربما كانت تتخيل ابنتها بطرحة بيضاء وها هي الان لا يمكن الا ان تتخيل عروسها بكفن ابيض.. لن تودعها حتى الى مثواها الأخير. 

لا يمكن لهذه القسوة باختباراتها الا تكون طريقا لعالم اخر لا ندركه. لا يمكن ان ترحل الأرواح هكذا. لا يمكن ان تترك ابنته أمها بلا وداع. 

كما بكل موت قسوة …بهذا الموت قسوة أكثر. 

كما بكل موت لشابة او شاب كسرة في القلب والوجدان لموت سهى كسرة ترزت في القلب وادمته.

كيف تصبح بلحظات حياتنا مرثية كتبها درويش وغناها مارسيل خليفة وتجسدها الان بكل وقع من الحانها وشجيها خالدة. 

كلنا بهذه اللحظات خالدة. يتخلد فينا هذا الألم العظيم. 

قسوة الموت وقسوة القهر وقسوة الواقع المرير تحت الاحتلال. 

وكأن هذا الاحتلال يتربص بالشرور ويأبى الا ان يقدم حصته من القهر. 

هل يختلف الموت بطرقه وبأماكنه وبتوقيته؟ 

هذه لحظات لا يخفف المنطق فيها وقع المصاب. 

هناك مشهد لأم بزنزانة تنتظر خبرا من عائلتها. تنتظر خبر زيارة ممكنة او افراج مرتجى. تنتظر خبرا عن انجاز حققته ابنتها، عن اكلة تنتظر أمها لتطبخها لها، عن فستان ربما أعجبها واشترته، عن حكاية، نميمة، عن جدال، عن مشاعر، عن حزن، عن قلق، عن حب، عن اشتياق. 

هناك مشهد لام تتحسس صور بناتها قبل النوم، تخبر رفيقاتها بالزنزانة عن ابنتها، عن مشاكساتها، عن اخلاقها، عن فخرها بها، عن عملها، عن علاقتها بمحيطها. 

هناك مشهد لام تدعو الله وتتمتم قلقا وتتحسب ليلا وصباحا بأن تجتمع باهلها قريبا… تتخيل العناق الأول، القبل التي ستتبعها على الخدود، الحكايات المتلاحقة لكل ما جرى من احداث. 

هناك مشهد لام قلقة على بناتها من قمع في مظاهرة، او سحل، او شجار، او اعتقال.

هناك مشهد لام تفكر كيف ستقدم نصيحة لابنتها بأن تحذر ربما … ان تنتبه لكيلا تعتقل… ان لا تتأخر ليلا.. ان تحذر من أماكن التجمهر… ان تنتبه الا تصاب…

هناك مشهد كان لابنة قلقة حتى الموت على أمها التي لن يحتمل قلبها الإصابة بفيروس الكورونا.

هناك مشهد كان لابنة قلقة حتى الموت على أمها التي لن تحتمل رئتيها رطوبة الزنزانة 

هناك مشهد كان لابنة قلقة حتى الموت على أمها التي لن تحتمل عظامها الرد القارص 

هناك مشهد كان لابنة قلقة حتى الموت على أمها… تنتظرها بلا كلل لكي تشبع عيونها منها اطمئنانا عليها.

مشهد وحيد بقي لابنة رحلت ولم تودع أمها.

مشهد أليم سيبقى بقلوبنا لأم تذرف الألم دموعا.

مشهد لشعب ثُكِل للتو وفُجِع ولا قدرة له الا الترحم وطلب الرحمة والصبر علي قلب الام خالدة.

قلوبنا اليوم خالدة… الصبر والسلوان على قلبك وروحك ايتها الخالدة.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading