تخطى إلى المحتوى

محاكاة رواية اورويل بالواقع الفلسطيني : مزرعة الحيوان والسلطة الفلسطينية

عندما انتفضت الحيوانات بقيادة الخنازير في مزرعة الحيوان وطردت البشر المستبدين من مزرعتهم بعد ان استبد بهم صاحب المزرعة واستعبدهم. اجتمعت القيادة (نابليون (الزعيم) وسنوبول (سيصبح خصم نابليون فيما بعد وعدوه اللدود) وسكويلر (يد نابليون اليمين ووزير الدعاية) ومينيميس (شاعر الثورة) وقررت تحقيق حلم حكيمها العجوز صاحب الثورة (ميجور) الذي خطب بحيوانات المزرعة عشية التخلص من صاحب المزرعة وفارق الحياة للتو، بمبادئ أطلقت عليها اسم الوصايا السبعة تدير شكل الحياة الحيوانية الجديدة، وعلقت الوصايا السبعة على الحائط الأسود بحروف بيضاء كبيرة على مدخل الحظيرة، يمكن قراءتها على مسافة ٣٠ مترا.

    ١. كل من يمشي على قدمين هو عدو 

٢.  كل من يسير على أربعة أقدام وكل طائر هو صديق

٣.  يمنع على الحيوان ارتداء الملابس
٤.  يمنع على الحيوان النوم فوق سرير
٥.   يمنع على الحيوان شرب الخمر
٦.   يمنع على الحيوان قتل حيوان آخر
٧.  كل الحيوانات متساوية

مع الأيام ساءت أوضاع الحيوانات أكثر، ولكن مع هذا بقي سكويلر يوضح لهم ويذكرهم انهم “كانوا في تلك الأيام عبيدًا والآن أصبحوا أحراراً، وهذا ما أحدث الفارق”.

واضيف على الوصايا بندا جديدا يقول : “جميع الحيوانات متساوية، ولكن البعض منها أكثر تساوٍ من الآخرين”

بالبداية كانت الحيوانات سعيدة لأنها لم تتصور أبدا أنه من الممكن أن تكون كذلك. “كل لقمة من الطعام كانت متعة إيجابية حادة، والآن بعد أن أصبح طعامها حقا، أنتجته بنفسها ولنفسها، ولم يوزعها عليهم سيد على مضض. 

فكان شعار الحصان بوكسر “سأعمل بجد أكثر”، وكانت كلوفر الفرس تردد بطرب ” أربعة أرجل جيدة، ورجلين سيئين” والخراف يرددون وراءها والدجاجات والجرذان، وبنجامين الحمار العجوز كان شعاره ” نابليون دائما على حق”. وموسى الغراب كان ينقل لهم الاخبار عن المزارع الأخرى “قيل إن الحيوانات هناك تمارس أكل لحوم البشر، وتعذب بعضها البعض بحدوات حمراء ساخنة، وتشارك إناثها. وهذا ما جاء من التمرد على قوانين الطبيعة”. 
استمرت الحياة في المزرعة والحيوانات سعداء، يعملون كالعبيد، لكنهم سعداء في عملهم. “لم يحسدوا أي جهد أو تضحيات، مدركين جيدًا أن كل ما فعلوه كان لصالح أنفسهم ومن سيأتي بعدهم، وليس لمجموعة من البشر العاطلين عن العمل اللصوص “. كان الحيوانات دائما باردين وعادة ما يكونون أيضا جائعين. ولكن بقيت لديهم صورة لمستقبل كان مجتمع الحيوانات مريحا خاليا من الجوع والسوط. الجميع كانوا متساوين، كل يعمل وفقا لقدرته، القوي يحمي الضعيف.

بعد وقت استبدت الخنازير واتباعها من الكلاب بباقي الحيوانات، وبقيت الوصايا معلقة واعتمد الحكماء من القيادة على ضعف ذاكرة الاخرين أحيانا، وعدم مقدرتهم على القراءة أحيانا، وعلى تأويل الوصايا أحيانا كثيرة. 

فصار الخنازير يلبسون لباس الانسان الذي طردوه، ويمشون على رجلين وينامون على السرير. وبدأت وفود إنسانية من المزارع المجاورة بالقدوم للاجتماع مع خنازير المزرعة.  سنوبول صار شديد الافراط بالطعام والشراب. شهدت المزرعة في الكثير من الصباحات خرابا وغضبا لما خلفته الليلة الماضية من صخب وسكر. 

وطبعا، استاء الحيوانات وتساءلوا. فاختفى بعضهم، وتم طرد بعضهم بتهمة الخيانة والعمل السري لصالح جونز صاحب المزرعة، وفي النهاية اضطر الزعيم الخروج ببيان خطاب توضيحي قائلا: أيها الرفاق، لا اظنكم تتخيلون اننا نحن معشر الخنازير نقوم بهذا بروح الانانية والتميز! فالكثير منا لا يحب الحليب والتفاح. فأنا شخصيا لا أحبهما.

ولكن هدفنا الوحيد من اخذ هذه الاشياء هو المحافظة على صحتنا. فالحليب والتفاح (وقد ثبت هذا علميا ايها الرفاق) يحتويان على مواد ضرورية جدا لصالح الخنازير. نحن الخنازير نعمل بعقولنا. فكل ادارة او تنظيم هذه المزرعة يعتمد علينا. ونحن نهتم بمصلحتكم ليل نهار. ومن اجلكم نشرب هذا الحليب ونأكل تلك التفاحات. الا تعلمون ما قد يحدث لو اننا معشر الخنازير فشلنا في اداء واجبنا؟ جونز سيعود! نعم جونز سيعود! . بالتأكيد ايها الرفاق. “

بالنهاية وصل الحيوانات الى وقت “لم يجرؤ أحد فيه على التعبير عن رأيه، عندما كانت الكلاب الشرسة تتجول في كل مكان، وعندما اضطررت لمشاهدة رفاقك ممزقين إلى قطع بعد الاعتراف بجرائم مروعة.” 

في المشهد الفلسطيني، انشغل الشعب عبر رسائل الواتساب المتدافعة تناقل اخبار تعيينات بوزارة الخارجية لأبناء مسؤولي السلطة. فمنهم من تعين سفيرا ومنهم من صار قنصلا عاما ومنهم من صار مستشارا في هذه الدولة او تلك. سواء كانت هذه المداولات صحيحة ام خاطئة لا يهم. واحدة منها على الأقل مؤكدة لأنها نشرت بالجريدة الرسمية وصادرة عن وزارة الخارجية.. يبدو انه موسم الإعلانات في الجريدة الرسمية، فكان هناك تجديد العهد للهباش كقاضي قضاة، وتأكيد اقالة وزير المكتبة الوطنية بسيسو على خلفية شجبه لمقتل الناشط نزار بنات. 

الحقيقة ان هذه الأمور بالرغم من بقاحتها الحقيقية، خصوصا في ظل هكذا ظروف، تتأجج فيها مشاعر الشعب غضبا من غياب الشرعية وانفلات الامن ( دعا محافظ الخليل الناس البقاء في بيوتهم لكي لا يقتلوا بحرب الشوارع التي نشبت عن جريمة ثأر بين عائلتين) وانهيار اقتصادي وعجز موازنة (لا نعرف أولها من اخرها) وانتظار اعلان عن موعد انتخابات (مرتجى) ، وتسريب عقارات ( كانفلات مزراب)، واجتياحات عسكرية إسرائيلية في مدن الضفة بين قتل واعتقال ومصادرة وهدم بيوت، وكورونا تجول وإعلان طوارئ يتجدد وتنديد باحتلال ودعوات للمقاطعة ووزيرة الصحة الفلسطينية باستقبال بالقدس مع نظيرها الإسرائيلي ورفاقه من وزراء حزبه واعيانهم،   وتشكيل حكومة وحدة ( على حسب الوعود) واشاعات يومية بين تشكيل حكومة او تعديل وزاري موسع ومصغر بأسماء جديدة أحيانا ويعاد تدويرها وتكريرها على الاغلب.

لا نعرف ما الذي جرى بصفقة التطعيمات الفاسدة، وجريمة قتل نزار بنات تموت كصاحبها تدريجيا. فالقمع أكثر والاستبداد أكثر والتنكيل وابتزاز المواطن أكثر هو سيد الموقف. 

كل هذا لا يهم… 

الجريمة الأكبر التي حصلت هي أخرى، وسط كل هذه الاساءات والاشاعات. وسط المراسيم والتعيينات الحقيقية منها والتي قد تكون حقيقية بالمستقبل لتعيينات وتدويرات. قرار مجلس الوزراء رقم ٣ لسنة ٢٠٢١ بإلغاء المادة ٢٢ من قرار مجلس الوزراء رقم ٤ لسنة ٢٠٢٠ بالمصادقة على مدونة السلوك واخلاقيات الوظيفة العامة. 

مجلس الوزراء، استنادا لأحكام القانون الأساسي المعدل لسنة ٢٠٠٣ وتعديلاته، ولأحكام قانون الخدمة المدنية رقم ٤ لسنة ١٩٩٨ وتعديلاته. وبعد الاطلاع على قرار مجلس الوزراء رقم ٤ لسنة ٢٠٢٠ بالمصادقة على مدونة السلوك واخلاقيات الوظيفة العامة، وبناء على الصلاحيات المخولة لنا، وتحقيقا للمصلحة العامة، قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ ٥\٧\٢٠٢١ الاتي: 

مادة ا الغاء المادة ٢٢ من مدونة السلوك واخلاقيات الوظيفة العامة

مادة ٢ يلغى كل ما يتعارض مع احكام هذا القرار

مادة ٣ على الجهات المختصة كافة، كل فيما يخصه، تنفيذ احكام هذا القرار، ويعمل من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية. 

د محمد شتية رئيس الوزراء. 

المادة ٢٢ تحمل عنوان التعبير عن الرأي: 

١.للموظف الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غير ذلك من وسائل التعبير او الفن مع مراعاة احكام التشريعات النافذة.

٢. يجب على الموظف عند ابداء رأي او تعليق او مشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي او يوضح انه يمثل رأيه الشخصي فقط، ولا تعكس رأي الجهة الحكومية التي يعمل بها. 

الحقيقة المرعب أكثر ليس فقط الغاء المادة، ولكن المادة التي تدعو الجهات المختصة كافة، كل فيما يخصه، تنفيذ احكام هذا القرار. 

على الرغم من ان هذه العبارة تأتي بالعادة بهكذا قرارات ، الا ان وقعها كان مرعبا. وكأنه كما في هذه العبارة، يأتي القمع مع آلية تنفيذه… بالضبط ما شهدناه في جريمة مقتل نزار بنات. 

أتساءل، لو كان اورويل يعاصر هذا المكان والزمان، هل كان سيغير رأيه بشأن الشخصيات؟ يبدو تمثيل الشخصيات بالشيوعية الماركسية من لينين (ميجور) ونابليون (ستالين)، سنوبول (ستروتسكي) وسكويلير (مولوتوف وصحيفة برافدا)، مطابقا تماما اليوم لأسماء الشخصيات في السلطة الفلسطينية التي تسلطت على الشعب. 

محمد شتية، الذي خطب ووعد وعاهد على الحق في حرية التعبير، وأعلن انه في عهده لن يساءل ولن يعتقل انسان على خلفية رأيه…. قُتل في عهده مواطن على خلفية رأيه بأبشع الصور، واعتقل العشرات وسحل المواطنين وتم ابتزازهم وتهديدهم وقطع ارزاقهم. يختتم الستارة الأخيرة من مشهد المزرعة بالوقائع الفلسطينية التي دونت قراراته ونشرته. ليؤكد لنا انه من يقف وراء قمع الحريات ومنعها نهائيا. 

ليقدم لنا مشهدا طبق الأصل عن مشاهد مزرعة الحيوان الأخيرة، عندما لم تعد الخنازير ولا كلابهم يأبهون لوصاياهم المعلقة، ولا لشعاراتهم ولا لوعوداتهم بالعلن. صار علنهم أقبح من خفائهم. 

“تذكرت بعض الحيوانات – أو اعتقدت أنها تذكرت – أن الوصية السادسة مرسوم،” لا يجوز لأي حيوان قتل أي حيوان آخر. ” وعلى الرغم من أن أحدا لم يهتم بذكره في جلسة الاستماع إلى الخنازير أو الكلاب، فقد شعر أن عمليات القتل التي وقعت لم تتطابق مع هذا. “

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading