تخطى إلى المحتوى

الشعب سيحدد بوصلته مهما طال الاستحواذ

الشعب سيحدد بوصلته مهما طال الاستحواذ

نزار بنات ينتصر من جديد 

قبل يومين من موعد انتخابات البلديات في دورته الثانية بالضفة الغربية، تشتد الحمى وسط حالة جوية شديدة البرودة. نحتاجها ربما وسط نيران تتصاعد ادخنتها منذرة بفوضى مريبة. كما هو الحال منذ سنوات، فإن الهزلية هي المحرك المتبقي لتحملنا او تعايشنا مع ما يجري من غياب لمجتمع سليم. لم اعد اعرف ان كنا نستطيع ان نسمي أنفسنا مجتمعا في غياب كل ما يجعلنا مجتمعا في هذه الأيام. لا اعرف كذلك ان كان أصحاب السلطة على مدار هذه السنوات التي اتسمت بمسح وتشويه وقمع ما يميزنا كمجتمع على دراية ووعي لمآل هذه الكارثة التي تتربص بنا. 

لم يفهموا ان الانتخابات هي محرك أساسي لبناء المجتمعات السليمة. فما يحدث معنا تحولنا من مجتمع الى مجموعات فصائلية، عشائرية، مناطقية وغيره من مسميات تفصل وتفرق وتشتت وتهلك النسيج الذي يجعل من الناس مجتمعا. 

ولأنن شعب على الرغم من كل هذه المحاولات بتفتيته وسحقه ومسح وعيه، نعي وندرك ونريد في كل فرصة سانحة مهما قلت واندثرت وانعدمت ان نقول كلمتنا. كلمتنا التي تجعلنا المجتمع الذي نريده لأنفسنا. 

انتخابات جامعة بيت لحم بالأمس، اكدت ان الشعب لن يتوانى عن ان يقول كلمته عندما تتاح له الفرصة. خسارة مدوية جديدة لفتح على الرغم من كل المحاولات للفوز بكل شيء. الاستحواذ على كل شيء هي الكلمة الأكثر ملاءمة هنا. هم يريدون الاستمرار بالاستحواذ على كل شيء ممكن. في كل مرة، تتاح فيها فرصة انتخابات تخسر فتح خسارة مدوية. 

فوز اليسار والإسلام مرة أخرى يؤكد ان الكيل قد طفح بالفعل من حكم فتح الذي انغلق اربابه على أنفسهم وتبجحوا ونسوا ان القوة هي بنبض الشارع الحقيقي مهما تم قمعه. 

ان غدا لناظره لقريب كما يقال، فلا داعي لتعجل ما سيحدث بعد يومين. اتخيل ارباب الفصيل الآن برئيسهم غاضبا مطالبا بإيجاد حل فوري لإلغاء الانتخابات إذا ما تأكدوا من فوزهم. ولو كان هناك عاقل بينهم سيحضر الرئيس لخسارة قادمة مهما حاولوا استحواذ انتصار فيها. 

هل الرئيس وارباب فتح مغيبون عن الواقع؟ لا اظن. هم لا يرون من الواقع الا أنفسهم ومصالحهم، ولا يرون هذا الشعب الا وسيلة لبغيهم واستحواذهم وتحكمهم. 

هل ستفوز فتح بانتخابات البلديات؟ ما الذي سيجري إذا ما تبين ان النتيجة غير محسومة لهم؟ هل سيشعلون النيران ام ستتدخل إسرائيل لإشعال النيران نيابة عنهم؟ 

لا يحتاج الامر للكثير من التحليل او الابتكار بالتفكير. عند اغتيال نزار بنات تدخلت إسرائيل بعد أشهر من محاولات السلطة لقمع المتظاهرين بأبشع الطرق، وقامت (إسرائيل) بدورها كاحتلال مستبد غاشم في بيتا. فاستقطبت الأنظار نحو بيتا وانشغلت الناس فورا بالقضية الأساسية: مواجهة بطش الاحتلال. 

قبل ما يقرب الشهر، استعد الشعب للخروج في مظاهرات ضد غلاء الأسعار متوجهة نحو رام الله، ولم تكن الا ساعات حتى ينشغل الشعب بشهيد تلو الشهيد بين نابلس وجنين. 

في كل مرة لا تستطيع السلطة النجاح في بطشها، تتدخل إسرائيل فورا لتقدم خدماتها في قتل فلسطيني اخر. 

مرة أخرى، لا تدرك إسرائيل كذلك ان هناك شعب اخر غير ذلك الذي تصر ان تراه من خلال ارباب السلطة. شعب تعب وازهقته المهانة ولم يعد للعيش بدون كرامة بالنسبة له اي داع. فهؤلاء الشبان الذين نراهم يومين في الأسابيع الأخيرة في عمليات الطعن بالقدس يقولون أكثر مما تحاول إسرائيل القبول به بعنجهية تفكيرها. وسط كلم ا يجري من مسح لهوية هذا الشعب الإنسانية، فإن هناك شعب حقيقي يريد العيش بكرامة. الكرامة ليست ديباجة ولا شعار. الكرامة الإنسانية تتعدى حاجة الانسان للأكل والسكن. حتى هذه صارت صعبة على الكثيرين من هذا الشعب. بين تجويع وهدم بيوت واستيلاء على الأراضي ومحاولات غير متوقفة على تطويع هذا الشعب، يعيش معظمنا في محاولة لإبقاء كرامته محفوظة. هؤلاء الشبان لم تمسهم بعد حاجات الحياة واطماعها وكمالياتها. يكبرون ويرون امامهم الظلم والفساد والقمع بينما ترفع شعارات الحرية والديمقراطية. أفلام والعاب البطولات والتضحيات والكرامة على الشاشات امام العيون ممكنة التطبيق. يسعون لحياة بها كرامة او ذكرى لخلود. لماذا يرضى شاب في مقتبل العمر الظلم الذي اضطر له اهله؟ ما الذي يتبقى لهؤلاء الشبان والرزق محصور لأرباب الفصيل والسلطة، والتصاريح من اجل العمل بإسرائيل صار حلم كل شاب يريد سد التزامات العيش في هذا الوطن المتهالك. 

غنى فاحش واستثمارات ليس لها من سلطان الا السلطان واربابه، وغلاء وفقر وعوز يتزايد ويتفاقم. 

لماذا وصلنا الى هنا؟ 

او بالأحرى لماذا اوصلونا الى هنا؟ لو كان في هذا السلطة عاقل لعرف انه لا يمكن التقدم بأي مجتمع بدون انتخابات. في مجتمع كمجتمعنا يحتاج أكثر من أي شيء الالتفاف مع قيادته للتصدي للتحدي المزمن في وجوده كشعب… الاحتلال. ولكن تحولت هذه القيادة الى قيادة شمولية يسودها الفساد وسمتها القمع وسوء الإدارة وغياب القانون. قيادة تعتمد في كل قرش تصرفه على المعونات الخارجية التي تطلب ولو شكليا بعض الملامح للإدارة الرشيدة. قيادة غارقة في فسادها واستحواذها وتسلطها. 

الحقيقة انني في كل مرة اشهد تصرفا شعبيا جمعيا كما حصل بانتخابات جامعة بيت لحم الأخيرة، أفكر كيف اننا في حقيقتنا مليئين بالرغبة بالحياة الكريمة. سبق هذا المشهد بالنسبة لي صمود أهالي شيخ جراح والالتفاف الشعبي حولهم. هبة البوابات الإلكترونية على الأقصى من قبلها. العديد من المشاهد التي تثبت رقي الشعب ووعيه. شعب يعلم معنى الرغبة بالحياة الكريمة للشعوب. شعب يمكن ترسيم كلمة صمود لتعكس هويته. 

في المقابل، ابتلانا الله بقواد وضع المفكر المصري احمد امين في ثلاثينيات القرن الماضي اصبعه على مشكلتهم: 

“مشكلة فلسطين بانقسام بين زعمائه وأحزابه على الغلبة والرئاسة، مع ان الصهيونية تنخر في عظامهم. ومشكلة العراق تقسم اهله بين سنيه وشيعه، وبدو وحضر”.

وفي سياق مشابه، في تقديمه الجزء الثاني من مذكرات حسين فخري الخالدي “ومضى عهد المجاملات” يقول الأستاذ عاصم الخالدي: ” صحيح ان الحراك الشعبي لمقاومة الخطط الاستعمارية والاطماع الصهيونية في فلسطين بدأ مع بداية عهد الانتداب، ولكن مع الاسف، فان الجهل في تقييم حقيقة الاخطار وحب الوصول الى مراكز السلطة الوهمية حول الحركة الوطنية الصادقة الى منافسة بين الزعماء الفلسطينيين انفسهم. وتحول الحراك الشعبي في العشرينات من القرن الماضي الى منافسة بين من كانوا يتطلعون الى انتهاز الفرص للأخذ بنواصي الامور حتى وان دعا ذلك احيانا الى التودد الى سلطة الانتداب للحصول على رضاها وذلك لكي ينال هذا الفريق او ذاك بركتها، فيتوقف على الفريق الاخر، وهكذا ضاعت اكثر تلك السنوات في نزاعات حزبية بين حزب عائلة الحسيني وحزب عائلة النشاشيبي كما هو مدون في كتب التاريخ.” 

مرة أخرى، ينتصر نزار بنات. 

ترتفع صوره في سماء بيت لحم، وكأن بيت لحم وجامعتها تنتصر له. تعتذر منه وترفع صوره في هتافات انتصار للحق. 

الحق الذي مات نزار من اجل ان يثبته فيم حاربته لفساد هذه السلطة. 

من نفس المكان الذي عرفنا فيه نزار اول مرة عندما رفع صوته عالي مسائلا أحد الوزراء قبل أعوام كثيرة. في ذلك اليوم ضرب نزار ونزف واجتاحت صوره الدامية انظارنا. 

لعل روحك تبتهج للحظات يا نزار…. فالحق مهما بعد قريب من المؤمن به. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading