تخطى إلى المحتوى

بين اغتيال غسان كنفاني واغتيال ناجي العلي اغتيالات عرفناها واغتيالات كثيرة لم نسمع عنها

بين اغتيال غسان كنفاني واغتيال ناجي العلي اغتيالات عرفناها واغتيالات كثيرة لم نسمع عنها.

محاولة اغتيال الدكتور ناصر الدين الشاعر بالأمس لن تكون الاستثناء ونكذب كما تعودنا الكذب عندما ندعي هول الصدمة ونسارع للشجب والاستنكار. فدم نزار لم يجف بعد وقتلته يتجولون. التعذيب والسحل والاعتقال وما يجري في غياهب مراكز التوقيف والاعتقالات لا يعلم بها الا الله والمعتقل ومؤسسات الحقوق التي لم يعد لصوتها ولا لتقاريرها أي قيمة. 

كل من يتجرأ ويخرج عن المفروض علينا عنوة هو عرضة للاغتيال القادم. 

وستستمر مسلسلات الاغتيالات الوحشية لطالما نقف في كل مرة ونسأل: لماذا؟ ماذا فعل وماذا قال؟ ولأي فصيل ينتمي؟ ففي كل مرة نسمح لأنفسنا بطرح هكذا أسئلة نحن نشارك في عمليات الاغتيالات الفعلية والمخطط لها والتي يتم محاولة تنفيذها. 

كتب أحدهم في مقال سابق (كاتبه توفاه الله) في جريدة القدس العربي، يبرر فيه اغتيال غسان كنفاني ويعيذه الى انتماء غسان السياسي. ويذهب الكاتب الى لوم غسان على ” مقتله” الذي حرم “المثقفون” امثاله من التذوق أكثر في ابداعات كنفاني. 

ما هو المطلوب من المبدع؟ من صاحب الرأي؟ من المثقف؟ من الفنان؟ من الانسان لكيلا يتم اغتياله؟ ان يمشي “الحيط الحيط مع النظام الحاكم مهما زاد بطش استبداده؟ فيكون اما من فئة التسحيج او فئة الخنوع؟ 

لا اعرف كيف يمكن لإنسان يدعي الثقافة والفهم ان يلوم انسان على انتمائه الفكري او السياسي او الديني ويبرر القتل ويطلب من المبدع الا يكون منحازا الا لكلماته. كيف يمكن للكلمات الا تنحاز لفكر؟ كيف لإنسان ان يبدع بلا تفكير؟ 

نزار كان “سليط” اللسان على النظام الفاسد، فاستحق قتله. 

غسان كان جبهاويا وشارك في “رعونة الجبهة من اعمال ترهيبية” على حسب تعبير الكاتب، فكان بديهيا قتله. 

ناجي العلي، وخز بكلماته مضجع القيادة فاستحق قتله.

باسل الاعرج استحق القتل لأنه كان من الممكن ان يزعج الاحتلال.

ناصر الدين الشاعر، أزعج بعض المتسلطين فاستحق قتله. 

الحمساوي يستحق القتل لأنه ليس فتحاويا، والفتحاوي يستحق القتل لأنه ليس حمساويا، والجبهاوي يستحق القتل لأنه ليس فتحاويا او حمساويا، والجهادي يستحق القتل لأنه ليس داعشيا.

انعدام الأمن وسيادة البلطجة وتحويل التنظيم الى عصابات مسلحة، قد يفقد البعض منا بسببه حياته. بالتأكيد ان هؤلاء الشهداء منا هم الباقون. هم من يحفظهم التاريخ وترقى الأجيال الباقية بذكراهم. ولكن أولئك الذين يعيثون بالوطن والمواطن خرابا ستلحقهم الهزيمة والعدمية والذكر السيء الى الابد. 

أحيانا أفكر في مأساوية وضعنا، في هذا الحضيض الذي قبعنا فيه ولا نكاد نميز مآلنا. فنحن لسنا على الأرض، بل في قعرها. ولربما هذا أفضل. لأن ما كنا عليه ليس الحقيقة. لا تتغير الأمور ولا تتحسن بمجرد هبات وفورات مؤقتة. تاريخ الشعوب يأخذ عقودا كثيرة وقرونا من الزمن لتغييره. الصحوات لا تخرج من حنجرة تألمت من وخز ولا من غبار تعفرت به الارجل. الشعوب من اجل صحوتها تحتاج الى العديد من الاصحاء فيها، تحتاج الى أكثر من غسان وأكثر من ناجي وأكثر من باسل وأكثر من نزار. هؤلاء بدأوا بتسجيل التاريخ ولا نزال في صفحاتنا الأولى. لأن من يتحكم بكتابة ما يجري هم المستكتبون والمستثقفون. لطالما المستبد يستمد قوته من دعاة الثقافة والكتبة ومن يمول بقاء الوضع على ما هو عليه من اغنياء المرحلة، سيكتب تاريخنا الحقيقي بدماء الشهداء… شهداء الرأي وشهداء الكلمة وشهداء المقاومة. 

وبينما نرتقي بهكذا شهداء لكتابة المستقبل، نخرج ربما من قعر الهاوية السحيقة بشهداء كثر سيكونون شهداء لقمة العيش وشهداء الاضطهاد والتصفية العرقية التي يستمر الاحتلال باستنزافنا من خلالها.

مرة أخرى نقف امام فاجعة، تقترب من خشيتي بأن تصبح اعتيادية. كاعتيادية جرائم القتل التي نراها تطال النساء سبه يوميا ولم نعد نفكر حتى بالتعليق. او كاعتيادية جرائم العنف الاسري بين قتل اب لابنه او ابن لأبيه.  اعتيادية الفساد والمحاباة والسرقة. اعتيادية الغش والخداع. اعتيادية تسريب الأراضي ونهب أراضي الدولة. اعتيادية سرقة المواطن ودله واستعباده. اعتيادية اكل الحقوق والظلم. اعتيادية المخدرات والفجور. اعتيادية انهيار مجتمع بانهيار منظوماته كلها: الأخلاقية، والتعليمية، والثقافية، والسياسية.

محاولة اغتيال لم تفلح هذه المرة…. وكأن هؤلاء صاروا كالاحتلال متعطشين للدم…. 

ولا اعرف ان كان هناك للرجاء او التمني مكان، ولا اعرف مخرجا لما نحن فيه من عبثية الموت المحتم. أن تكون البطولة محفوظة بالموت للبعض منا. وكأن الحياة هكذا لا تستحق العيش. ولنستحقها يجب ان نحارب من اجل استحقاقها. ولكن كيف؟ ونحن نعيش على التمني والتضرع لله بين دعاء مع او دعاء على. ننتظر مقدرة الله في انهاء الحياة. صرنا ننتظر الموت لنشمت او نفرح او نقول جاء الفرج.

نحتاج لفكر حقيقي نملأ فيه ما خطه غسان ورسمه ناجي. نحتاج الى فكر نملأ فيه ترويسة خلدها لنا السابقون الخالدون ونبني ما نحتاجه كشعب يسعى نحو حلم الوطن. ولا اعرف ان كان الوقت قد فات عن السلطة المتنفذة بمن يتحكم ببعض العقل والحكمة فيها بأن يضغط نحو تغيير حقيقي قبل فوات الأوان كليا. التفرد بالحكم هكذا لن يجلب الا الخراب على الجميع. 

وغياب القدرة على افراز صوت جديد يستطيع ان يجعل من السلطة فرصة للمشاركة والندية من اجل اصلاح ذات البين لا التفرد والتحكم والبلطجة والثراء الفاحش وتوزيع الثروات والموارد بين اولي السلطة من نخب رأس المال. 

1 أفكار بشأن “بين اغتيال غسان كنفاني واغتيال ناجي العلي اغتيالات عرفناها واغتيالات كثيرة لم نسمع عنها”

  1. لأن المنظومة الأخلاقية مشوشة عند أغلب الكوادر السياسية والنضالية ، فبينما تبرر أدبيات التنظيم أو الفصيل الكذب واللعب ثلاث ورقات خارج الفصيل ، فإنها تعاقب على ذلك إن تم في الإطار الداخلي ، وهذه تربية عقيمة آثارها تظهر في السلوك غير المنضبط سواء في الجامعات أو الساخات بشكل عام.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading