تخطى إلى المحتوى

لنترك من على الأرض ونلاحق من تحتها: شحذ السيوف ضد الجن في حرب التحرير 

لنترك من على الأرض ونلاحق من تحتها: شحذ السيوف ضد الجن في حرب التحرير 

“بيقين شبه تام نحن نتجه صوب عصر من الدكتاتوريات الشمولية، عصر حيث ستكون حرية الفكر في البدء خطيئته المميتة، ولاحقا تجريد لا معنى له، الفرد المستقل ذاتيا سوف ينفى خارج الوجود.”

إذا ما فكرنا بكلمات اورويل بين مقالات وروايات تحدث فيها عن الديستوبيا، نجد أنفسنا مسحوبين الى تلك الهاوية السحيقة التي حذر منها. وكتبها بديستوبية الرائعة منذ ثماني عقود. كيف لنا ان نفسر ما يجري بوضعنا الحالي كفلسطينيين؟ فصرنا نعيش ملهاة من ديستوبيا تفوقت على روايات اورويل وأصبح من يرى منا حجم الهلاك الحاصل كمن يعيش في مدينة العميان. اعمى بلا بصيرة العميان! 

لا اعرف ان كان رد فعلي الاولي للخبر الذي تم نشره على موقع معا الاخباري تحت عنوان ” القبض على سيدة يشتبه بوضعها سحر امام منزل مواطن في قلقيلية”، هو ردة فعل حملتني خارج الزمن ورمتني الى قعر رواية تمنيت ان تنتهي من شدة سوداويتها، ام انني دخلت في نشوة سخرية من الواقع وتخيلت خبرا اخر في شأن هذا الخبر: الشرطة تشكل لجنة لبحث انشاء وحدة فك السحر وتعين شيخا مستشارا لشؤون فك الحجاب وطرد الشياطين. 

قبل أيام، وقع حادث أدى لإصابة ابن اختي في الرأس بعد ان ضربه مجموعة من الشبان في رأسه في احدى المدن. ذهبت العائلة الى الشرطة وفتح تحقيق وصدر امر قبض على الشاب الذي ضربه. مرت ساعات وايام والشاب هارب في تلك المدينة الصغيرة لم تستطع الشرطة ايجاده. كان الشاب يجلس كل يوم في محل ابيه على مرأى الجميع يكمل حياته الاعتيادية وهو فار من الشرطة التي تبحث عنه في ارجاء المدينة. 

لو كان هناك لجنة فك الحجاب وكشف السحر لوجد الشاب وتم القبض عليه فورا!!

في نفس السياق من فرضية الشرطة في خدمة الشعب، ما كان من الشرطة الا ان تطلب من منظمي العرض الفني في مؤسسة القطان قبل أسبوع بإلغاء الحفل لأن الشرطة لن تستطيع حماية الشعب إذا ما قرر المهددون المسلحون بقوة السلاح المنظم والسلطة (سلطة كل من بيده له) اقتحام المكان والتعرض للفنانين. 

ويبدو ان شرطتنا وجدت ضالتها بمن سيمكنها من التحكم بالأمن والأمان والبدء بالقضاء على السحرة والمشعوذين. 

ربما ينفك السحر عن هذا الشعب المنحوس المنكوس الذي لم يعد امامه الا اللجوء الى الجن لكي يفكوا كربه وينصروه على اعدائه وينصفوه في مطالبه. 

لا اعرف ان كان الهزل في هذا الامر نافعا، ولا اعرف كذلك ان كانت الاستهانة بهذه الأمور صحيحة. اذكر عن جريمة إسراء غريب، خرج زوج اختها ليقطع الشك باليقين عندما قال ان الجن هو من قتل اسراء. كان مرعبا حجم التفاعل مع ذلك الادعاء. كيف يستطيع المرء ان يحوّل الامر الى اخر بلحظة ويسقط القضية ويحمل الجريمة الى “الجن”. لماذا لم تلاحق الشرطة الجن حينها؟ إذا ما كانت الشرطة اليوم تلاحق من وضع السحر امام باب أحدهم، فلماذا لم تطارد الجن القاتل لإسراء؟ 

مرعب التفكير بأحقية ان هذه الأمور تحصل بالفعل في هذا المجتمع. عند قضية اسراء غريب تبين ان هناك مكاتب تطلق على نفسها شرعية وتابعة للأوقاف تعمل بصورة عادية في المدن. ويبدو ان الامر منذ تلك الأيام تتطور ولم يتوقف. فاذا ما كانت تلك ظاهرة غريبة عنا، كان واجب اغلاقها والتخلص منها الى الابد. فسرعان ما سمعنا عن قصة جديدة راحت فيها ضحية أخرى كانت هذه المرة من قرى رام الله عندما ضربها أهلها حتى الموت مدعين ان الجن كان يلبسها وكانوا يضربون الجن ويحاولون إخراجه منها. وجدت الفتاة مربوطة ومعذبة.  اليوم تستطيع ان تجد شيوخا على الانترنت. فبينما كنت احاول فهم ما يجري من جدية هذه الأمور وجدت صفحة تخرج امام المتصفح عند البحث تقول: معالج روحاني مضمون وثقة في فلسطين أبو يعقوب الكوفي. وهناك عنوان يقول ساحر في فلسطين مجرب في أنواع السحر السفلي ال ١٤ المعروفة  الروحاني رياض الهاشمي ساحر واعمال السحر الخدمات الروحانية تقديم خدمات السحر

الحقيقة ان هذه الصفحات تعمل بطريقة دولية وفلسطين ليس مصدرها على ما يبدو، ولكن يمكن تقديم الخدمات عبر الشبكات الالكترونية في هذا الزمن الذي سخر فيه الجن ما يتطلبه الامر لعمل السحر وتوابعه من قبول وكره، جلب وتخلص، قرين وتوابعه، عبر اتصال واتساب كما في بعض المواقع. 

لو تتابع الشرطة وجهات السلطة المتفرغة لرصد المواطن من كلام وحراك، لأمكنها التخلص من هذه العبثية التي اوصلتنا بينما نعيش في حضيض وضعنا الاجتماعي من هتك لأوصال المجتمع تعدت الانقسام والانفصال والاقتتال الفصائلي والجغرافي، ووصلت الى كبد ما يجعلنا مجتمعا صالحا للحياة. 

لم نعد نعرف كيف نواجه يومنا من عنف مرتقب، وفساد مستشري، وكتم افواه، ومطاردات، واعباء حياة، ومخدرات، وبلطجة، واحتلال متربص. ومن يحاول اللجوء للشرطة يجد نفسه يدور حول نفسه منتهيا الى عطوة عشائرية ان كان يملك من الرجال والعزوة ما يستطيع ملء الحافلات والسيارات ليفرض قوته وقدرته. 

وعليه، أمور الحياة الفوقية هذه لم تعد تعني السلطات ولا تطال خدمات الشرطة هذه المشاكل اليومية. فالشرطة تترصد الجن وتكرس خدماتها لمطاردة ما هو تحت الأرض… فنحن والجن في حضيض قريب في الجحيم.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading