عندما يتهاتر الوطن
استوقفني خبر تداولته شبكات التواصل / الاعلام كان تحت ما يبدو من عنوان : الجامعة الاردنية ترفض طالبة فلسطينية حصلت على٩٠ بالتوجيهي بكلية الطب . وما كان اعظم من الخبر وفحواه من مأساة ، ردود الناس على الموضوع . فقبل الحديث بما يجري بِنَا كشعب طاله انعدام الوعي وطغت عليه التهافتات والدسائس والنميمة ، أفكر بما الذي يجعل هكذا خبر مهما للنشر او / و القراءة . أين الخبر في هكذا خبر. ما هو الغريب في رفض الفتاة في كلية الطب في الاْردن في حين انها لم تكن لتحصل على اي فرصة لتقديم الطلب في الجامعات الفلسطينية التي وبالرغم من كون ال٩٥ هو الحد الأدنى للقبول في كليات الطب في الجامعات الفلسطينية والتي لا يكون هناك فرصة حتى لهولاء لان المقاعد تشغل وبسرعة البرق من قبل اصحاب علامات وصلت ل٩٨ .
وان كان في الخبر مصيبة واستخفاف ونوايا شخصية او غيرها ، فردود الناس على الخبر كان اعظم مصابا .
تكلمي عن الخبر ليس الا في سبيل العرض لمشكلة أصبحت كأنها عادية في طرحها وفي التعامل معها . فنشر هكذا اخبار يمكن وصفها بالسخيفة والغير مهمة وأكثر من ذلك كارثية بالرغم من عدم أهميتها ولكن تلقي الجمهور لها والتعامل معها باهمية وطلب هكذا اخبار هي مشكلة اخرى. في زمن اصبح كل شيء فيه متداخل ، فان المسؤولية من قبل ناشر الخبر وقارئه متساوية . فنحن كشعوب نحاسب اليوم على حسب افعال حكوماتنا . ووضعنا مع الاْردن حرج وعلى مهب الريح منذ قضية الفيفا . وبهكذا أمور كبيرة تترك الصغائر لتكون الشعرة التي قسمت ظهر البعير. فإذا ما كانت الحكومة الاردنية قد تصرفت بمسؤولية في احتواء الأزمة في حينها لكي لا تصبح أزمة وطنية وشعبية، كان الشعب الفلسطيني المسكين كله سيكون ضحيتها . فان هذا لا يعني أننا كشعب باعلام او غيره نخلي ساحتنا من المسؤولية . ولا اعرف لما تهيأ لي الشعب الفلسطيني برمته بهيئة رجل ما يحاول السفر الى الاْردن ويتم التنكيل به من اصغر جندي او حارس يدخل شبكات تواصلنا وكان قد رأى القدح الذي وقع . الا يكفي اننا نتحمل وزر قيادتنا دائماً بافعالهم واقوالهم ؟ اعلينا ايضا ان نتحمّل عواقب سخافات غير مسؤولة ولا باي وجه حق ولا من اي داعٍ لها ؟
هناك غياب للوعي اصبح جماعيا . ولا زلنا لا نعي بان انعدام الوعي حتى ولو كان فرديا فنتيجته كارثية على الجماعة وعلى الأمة . فنحن ننجر في انهدام وعينا الى حطام يظهر في صورة اللا مسؤولية واللا مبالاة .
ترى التعليقات على كافة الأمور وكأن هناك حالة من الهيجان .حالة طفح تتفشى حتى باتت تغير ملامحنا وتحفر في نفوسنا .
افهم حالة الاحتقان السائدة . وافهم كذلك الشعور المسيطر علينا من بُعد الأمل وهروب الفرص من حال أفضل . فالمؤشرات التي تؤكدها الأخبار المتداولة وردود الأفعال عليها لا تبشر بخير لشعب لا يزال يحاول لملمة نفسه من اجل الوصول الى بعض العدالة في قضيته. قد يكون إحباطي الأكبر كفلسطينية من القيادة . الا اننا كشعب نقع تحت نفس طائلة المسؤولية . في وطن لا يزال يبحث عن بوصلة توجه فيه نحو مستقبل مليء بالتحديات ، فان دورنا كشعب كل من موقعه ومكانه ومقدرته يفوق أهمية القيادة في التأثير الإيجابي والسلبي . فنحن شعب لا تزال قضيتنا هي عنوان وجودنا والنضال يرتبط فيها . في ظل هذا العالم المفتوح كل ما يصدر منا يقع تحت طائلة المسؤولية . ذلك الاندفاع الأعمى في تصرفاتنا التي لا تخرج عن حالة رد الفعل عن اي شيء . غياب البعد التام عن اي أفق لأي شيء . حياتنا باتت كما نرى يوميا في هذا الانفصام بين العالم الافتراضي من منبر للتعبير عما يجول بالبال والخاطر ، والعالم الحقيقي الذي نتنكر فيه عما نصدره من كلام او افعال افتراضية . نختبيء وراءه وحولنا هذا المنبر من مرآة كنا نتجمل أمامها لانعكاسات قبيحة تعكس داخلنا من أزمات وإحباطات تراكمت فأصبحت تشكل صورتنا .
علينا ان نقف امام أنفسنا ومواجهة هذه الصورة التي تأخذ يوما عن يوم شكلنا الدائم . علينا ان نكون مسؤولون عن تصرفاتنا وتصريحاتها ونقدنا وانتقاداتنا لكي نستطيع ان نطالب بتغييرات تنهض بِنَا كأفراد وشعب . فما من شك بان شبكات التواصل وانفتاح الاعلام والعالم على بعضه غير الكثير وصار متنفسا للشعوب ومنبرا للتعبير . لنتوقف عن تحويله الى مكب لخذلاننا واحباطاتنا وانهزاماتنا .. لنوقظ ذاك الوعي فينا ونعيد بناء أنفسنا بتهذيب اخلاقنا وخلقنا اولا .
لقد بتنا نعيش بحالة من التهاترات الفردية والجماعية وفي كل المجالات ، لدرجة أصبح فيها الحديث عن الأزمات المتكررة والبحث عن مخرج منها كمن يدق الماء بالهاون . لا تزال الماء تلاطش الهاون حتى تتطاير ولا يبقى الا صرير النحاس بين والمدقة والهاون .
One comment