وحين سلكت مريم درب الآلام: قراءة في رواية على درب مريم

وحين سلكت مريم درب الالام

قراءة في رواية على درب مريم

كتب : عزام الدقاق

ست مريمات شكلن رواية الكاتبة المبدعة ناديا حرحش . تلك المريمات ما بين مريم العذراء ومريم المجدلية ومريمات ناديا الاربع  اللاتي شقّتن عبر باب بحر التاريخ القديم والحديث وتحملن شرب مياه البحر المالح وصبرن على امل الوصول الى شط مدينة افلاطون لعل وعسى يجدن العدل والتقدير و يتمتعن بالعدالة الجندرية…… كانت رحلة قاسية ، متعبة ، ومحبطة الى حد بعيد ….ركضن نحو الافق حين لاحت تباشير المساواة والحرية ، الا ان الافق لا حدود له و لا يمكن ادراكه ، فكلما شعرت بانك قريب من مرادك يبدو الافق ابعد و تستمر المعاناة ……. وقبل ان يستسلمن ….. نسجن بقلم الكاتبة لوحة فسيفسائية رائعة مطرزة بقطب لها دلالات رمزية و اودعن اسرارهن في كلمات واحداث رسمنها  بذكاء في حواشي اللوحة التي تمت الى  تاريخنا و وجودنا الفلسطيني على هذه الارض المقدسة. …..  فتشدّنا هذه اللوحة الى قراءة الحواشي للاستزادة من هذا الدليل الشيق الذي يربط تاريخنا بحاضرنا من خلال ربط اسماءابطال الرواية  بالمواقع والمدن والقرى والسهول الفلسطينية والاحداث التاريخية

تبدأ الرواية بسرد قصص المريمات الاربع، لنكتشف  بان قصصهن تتشابك فيما بينهن وكأن قصة كل واحدة منهن لها ارتباط زمني ومكاني وروحي وديني بمريم اخرى. ثم نكتشف ان الاحداث التي تم سردها ،هي عبارة عن موروث ضخم من احداث  ثقافية واجتماعية وتاريخية وحتى سياسية نقلتنا عبر نفق الزمان ، ومن خلال المريمات، من العصور القديمة وعقائدها وتاريخها وادبها ، وصولا الى العصر الحديث  و احداث النكبة الفلسطينية والاحتلال ومرورا باوسلو و الاحداث في سوريا

 ما الجديد في هذه الرواية ؟؟؟ اعترف بانني حاولت ان اقرأ الرواية مرتين ، بعقليتين وشخصيتين مختلفتين.  اولهما قراءة سريعة كقراءة اي رواية، متلهفا لمتابعة احداثها و نهاياتها. وفي المرة الثانية للوقوف عند محطات معينة، سمحت فيها لخيالي ان اربط بينها وبين شخوصها، وبين شخصيات واحداث اعرفها او سمعت عنها ، وان اقرأ ما بين السطور والاحداث و الحواشي والاقتباسات الجميلة ، وهذه القراءة قادتني للبحث عن العناوين وفي الاقتباسات  الفلسفية والادبية التي اشارات لها الكاتبة، وحيث كان للكوميديا الالهية نصيب في هذه المحطات وهذا الامر فيه استزادة في المتعة ، لكنه مرهق بعض الشيء، و شعرت بان هذا البحث يبعدني عن السلاسة والبساطة و الجرأة العفوية في السرد الروائي ، وهنا لا بد ان اعترف بانني استمتعت بالقراءة الاولى اكثر ، لبساطة وجرأة السرد

 لا اعلم ان كنت مخطئا عندما شعرت بان ناديا هي الام الراعية لكل المريمات، او هي جزء من كل مريم ….  وبذلك يصبح عدد مريمات الرواية سبعة مريمات ………… لكن ما اصبحت اعلمه بعد القراءة المتأنية،  وانا مقتنع بذلك  بان مريمات ناديا حملن ولا  زلن يحملن صليبهن وهن ينزفن في صراع  ونضال مريرين  لاثبات وجودهن كبشر،  لهن كامل حقوق البشر ……… ومقتنع بان تخلف الفكر جعل المريمات في دنياهن و اخرتهن مجرد سلعة او مكافأة  لارضاء الذكر عبر العصور …..وما بعد نهاية الحياة على الارض…… وهنا تكمن مشكلة مريم الازلية….. وستبقى ما دام التخلف الفكري قائما ، وما دامت مريم في نظر الرجل ،هي صيد دسم و مشروع في غابته

لعل الرواية  بطريقة تشكيلها اقنعتني بان الاحداث او جزءا كبيرا منها هي تجسيد لحقيقة  بان قصص المريمات هي قصص حقيقية الى حد بعيد ، او تقترب من ذلك ….. او لانها ولدت من رحم واقعنا الشرقي،  ومن وجود  المرأة ونضالها وظلمها وتعاستها وفرحها في مشرقنا العربي ……

 الرواية هي  قصص لا يجرؤ الكثيرون  و الكثيرات من الاقتراب منها و ازاحة الستار عن خفاياها و تفاصيلها ، خوفا او خجلا …….. وتملكني شعور بان ناديا تحفظت بعض الشيء في سرد الاسرار والتفاصيل بحرية اكبر ….. واتفهم ذلك ، واتفهم حرصها

الرواية رائعة …..مع بعض العتب….. فالكاتبة فصلت صورة مريماتها لتعكس واقع النساء جميعا، فهن المظلومات دائما …. وان كنت  اوافقها  و اشاركها الرأي بان النساء تعرضن للظلم ومنذ بدء الخليقة. لكنني لا اشاركها غضبها على الرجال كل الرجال، ولم يتم انصافهم ، وكأنها وضعتهم جميعا في قفص الاتهام من خلال شخصيات الرواية،……. وان حاولت عدم اظهارذلك  بذكاء  او بصورة جلية في المضمون العام للرواية، بالرغم من بعض التلميحات والايحاءات لظروف بعض شخصيات الرواية  من الذكور ،  والتي قد تبرر افعالهم ،…..الا ان ما يترسخ من صور الرجال في هذه الرواية  ، هي صورة الرجل العابث و الكازانوفا ، و صورة  نمطية الرجل الذي لا يعيبه شيئا وهو فوق النقد وفوق الخطأ، في مقابل صورة المرأة المغلوب على امرها دائما، و التي ان ثارت ، وفضحت ثورتها لصدقها مع نفسها ، فانها ستكون اثمة في نظر المجتمع

مرة اخرى الرواية رائعة ، وتولد شعورا لدى القارئ بان لدى الكاتبة  الكثير لتسرده ،…….. الا ان شهرزاد سكتت عن الكلام المباح ، اما خوفا من شهريار او من مجتمعه المتخلف

 كل الاحترام  والتقدير للكاتبة ناديا حرحش .

عزام الدقاق

القدس

اترك رد