من الصعب استيعاب انهيار الوضع القائم في المؤسسة الوطنية الفلسطينية في الكثير من هيئاتها وممثليها . فما نلبث نخرج من انهيار لسقوط مدوي حتى نشهد انهيار لسقوط اخر. فمن انهيار لسقوط اصبح حالنا . ولا فرق يميز المصطلحات ، ولا هو واضح ان كان هناك ترابط لانهيار او سقوط.
المؤسسة في انهيار وما يترتب منها وفيها من امور وشخوص في سقوط.
والاحتلال يترقب ، يلملم نفسه احيانا ، ويطلقها علينا احيانا ، معتمدا على حجم الانهيار الحاصل .
فلا نلبث نخرج من قضية فساد مدوية لا نفهم ما جرى فيها ،فلا محاسبة ولا عقاب . او جريمة يتنصل بها الجاني او يختفي او تقيد ضد مجهول او نلبسها في حائط الاحتلال . اوترقية او تعيين للمحسوبين. او اقالة او فصل للمغضوبين .او فضيحة دبلوماسية او سيلسية .وبين اضراب واضراب ، هناك شرخ يكبر بين الفصيل والفصيل.
هل ما يحدث في قطاع التعليم الفلسطيني هو حالة ازدراء للتعليم ام للشعب ؟
لبرهة كنت سأنضم لمؤيدي فرضية نظرية المؤامرة . هل هناك مؤامرة على وزير التربية والتعليم ؟ فلا يلبث يفتح باب على مصراعيه بأزمة حتى يقابله باب اخر من الجهة المقابلة . وللحظات اقتربت للتعاطف مع شخص وزير التربية والتعليم الذي فتح حقيبته الوزارية المؤقتة الانتقالية بحماس(ليس حركة حماس طبعا) ملفت وكان كمن صعد الى بناية عالية بنشاط واذ به لا يعرف النزول فكان هو الاخر في هبوط مدوي .
بدأت ازمته بأزمة الشتاء ، وتعامله ووزارته بموضوع البرد القارص وتدني مستوى الخدمات في الصفوف بما لا يتناسب مع الازمة الحاصلة المتعلقة بأمن وصحةالاطفال . وقد اقترب بتوصيف تعامل الوزارة مع الازمة بالاستهتار او بالاستخفاف . كلمتان لا بد ستتلازما المقال هذا تدريجيا .
ثم جاءت ازمة الجامعات ، وهي ازمة متعاودة . ازمة الحكومة ومخصصات الجامعات من جهة ، وازمة تنصل الحكومة متمثلة بالوزارة من الالتزامات الموقعة مع النقابات من جهة اخرى وازمات اخرى لم تعد الجامعات تتعامل الا مع ما يشكل الشكليات بها . فالنقابات في هذا الوطن تلهث وراء استحقاقات صارت وكأنها الغاية المرجوة ،بالاصل كانت وسيلة لنيل حقوق تتقدم بها الى الامام . مراوحة حول الحقوق لا نأخذ منها الا ما يسد رمق اللحظة.
وما لبث اقنع الجامعات مؤقتا حتى خرج المعلمون باضرابهم الذي لم ينته الا بوعودات الرئيس بالدفع نحو المطالب المتعلقة باستحقاقات لاتفاقات لم تلتزم بها الوزارة منذ سنوات .
لكي لا يقع كلامي في طائلة التهكم ، لا بد من الاعتراف بأن وزير التربية والتعليم الجديد قد تولى حقيبة مليئة بما خلفه الوزراء المؤقتون الانتقاليون السابقون . ولكن حماسه ربما رفع سقف توقعات الشعب منه . فمنذ دخوله والوزارة والماراثون الاعلامي يتلاهث وراء تصريحاته الواعدة باجراء اصلاحات “ثورية” في التعليم الفلسطيني وتحديدا بموضوع التوجيهي الذي طالت الاحلام نحوه لالغائه ككابوس ابدي للطلبة على مر العقود.
ليس هناك داعي للمؤامرة او لنظرياتها . وعادة المؤامرات والحمد لله في هذا الوطن مؤامرات داخلية فصائلية بحتة . فحتى عند محاولة الزج بالفصيل العدو (حماس) او العدو (التنسيقي) اسرائيل ، يبرأ كل منهما براءة الذئب من دم يوسف.
فهذه المرة لا حماس لها علاقة بثورة المعلمين ولا اسرائيل .
فما جرى من اعتصامات كان ولا يزال طبيعيا وسط ما يجري ، ولا استبعد ان نرى ارتدادا لفئات عمالية جديدة قريبا . فالعيش لم يعد يحتمل لفئة عريضة من المجتمع تحاول وبكل ما اوتيت من مقدرة على التحمل والتعايش مع الظروف الاقتصادية الصعبة . والمعلم بنهاية الامر ينتمي الى الطبقة المتوسطة الواعية . يترقب ويراقب ما يدور حوله من تغييرات . وعلاقته بالبنوك والمؤسسات وطيدة. وتفشي الفساد جعل الوضع غير قابل للتحمل . فالانتهاكات اللامنتهية في شكل فساد متصاعد ادت الى شعور باليأس والاحباط يصاحبه غضب يتزايد مع كل فضيحة فساد جديدة تتفجر كالالعاب النارية ولا نرى منها الا فتيلها .
التفاوت الواضح بين فئات مجتمع لم يكن به تفاوتات حتى العقدين الماضيين يزيد في كل لحظة من احتقان الشعب . فهناك طبقة تتفرد بالاستحقاقات والمدخولات والموارد ، وتنعم بمزايا وحياة راغدة . وهناك شعب يزداد فقرا وعوزا، مطالب بتقديم انجازات .
بعد هذه المقدمة الطويلة ، لموضوع يبدو انه لن ينتهي علي خير في وطن يتهاوى .
بينما تتأزم التربية والتعليم وتزدري من نفسها .فهناك ما يبدو من ازدراء التربية للتعليم والعكس. تشهد الجامعات على سبيل المثال بينما تخرج من اضراب لتدخل بالاخر ،على شقي الوطن المتشرذم المنقسم المشتت خطابا تعبويا حزبيا معادي للاخر بطريقة مفزعة ،محزنة ومخجلة. ما يجري في الجامعة الاسلامية وجامعة القدس (بين الكتل الطلابية) من تعديات من الاحزاب المتناحرة مخزي . وان دل على شيء يدل على غياب التربية من نظام التعليم .
في جامعتين يدك الاحتلال بلا هوانة ابوابها بصور ممنهجة .في جامعتين بوطن يقدم حرم جامعاته الطلاب قرابين لحرية مرجوة لا يفرق شهدائه بلون اصفر او اخضر .
ولان الجرح في الكف وما يجري من تقاذفات يتم تداولها على مواقع التواصل وتصريحات عبثية غير مسؤولة من قبل كل من الفصائل في عباءة كتل طلابية يجب ايقافه فورا .
وكأن حربا اهلية توشك ان تولع بهذا الوطن المتمزق اصلا .
في مكان قريب . من مخيم ، فيه مدرسة كتلك الخالية من الخدمات في معظم ارجاء المدارس الخاضعة للتربية والتعليم . وفي مدرسة اخرى تشبهها ، كرم العالم معلمة وسط استهتار التربية والتعليم والحكومة بمعلمي هذا الوطن على مدار شهر ، لولا تدخل الرئيس وعلي طريقة العشائر تم ضأد المسألة لوجه الرئيس مع وعودات من غير المؤكد تنفيذها من قبل الحكومة . وهنا لا نزال نتكلم عن حقوق بديهية اساسية للمعلمين.
المعلمون اولئك التي خرجت منهم ابنة المخيم ومعلمة احدى المدارس الحكومية لتتوج افضل معلمة بالعالم . وامثلة لا تقتصر على (حنان) في انجازات ابناء هذا الوطن . ولكن تكمن المفارقة الهزلية بين غياب وزير التعليم بالازمة الفائتة او بالاحري عدم نجاعته، وظهور صاخب ليكون من اوائل المستقبلين ليلقف بانجاز المعلمة ليهنيء الرئيس بهذا الانجاز.
للحق لا ازال لا اصدق جدية ذاك الاعلان الذي تصدر وسائل الاعلام الفلسطينية في تهنئة وزير التربية والتعليم للرئيس الفلسطيني بجائزة المعلمة .
ولا يكتفي بهذا . وكأن وقت انجازاته او استحقاقاته او الاثنين معا قد ان . فيخرج مهرولا الى مؤتمر صحفي ببيان احاول بقدر جهدي عدم التهكم منه ، ليس تجنبا للتهكم ولكن لجدية المسألة . التهديد او الوعيد المبطن للمدارس التي اضربت من خلال عدم تمديد الفصل او التعويض الخخخخخ . وسلسلة القرارات علي مواعيد امتحانات التوجيهي . اتجنب قراءة البيان مرة اخرى لكي لا اصاب بالاحباط ولا ينتهي هذا المقال .
وكآن هناك حالة ازدراء للمعلمين من قبل التربية والتعليم . ام هو تهكم ؟ ام استخفاف ؟ ام هو عدم معرفة وجهل ؟ ولكننا نتكلم عن وزارة تربية وتعليم . وزارة يتم تصنيع العلم والمعرفة فيها ، فكيف لا يتم استخلاص العبر وربط الامور ببعضها ؟
المعلمة الفائزة هي جزء من المعلمين . وانجازها استحقاق للمعلمين الموجودين في دائرة الظلم وما قل من الخدمات والوسائل وليس استحقاقا للوزارة ولا للحكومة .
فوز المعلمة رسالة للوزير والحكومة بأن هذا المعلم الذي يتم الاستخفاف به وضرب مطالبه بعرض الحائط وتهديده والتنديد به هو المنارة الذي يجب المحافظة على ابقائها مشتعلة . فهي تضيء من اجل وطن ولا تضيئ من اجل شخص بعينه او منصب .
فوز المعلمة كان درسا بالتفاني والتحدي والاخلاص للطالب ، للمستقبل المرجو بناءه. لم تفز لانها فتشت عن منصب او جائزة تخصها . جاءتها الجائزة لجدارتها واخلاصها وايمانها .
حنان هي كل معلم ومعلمة . كل طالب وطالبة . كل فلسطيني خرج للاعتصام بالمطالبة بالكرامة بالعيش للمعلم .
لو كنت مكان الوزير لخرجت بمؤتمر صحافي اعتذر به للمعلمين على الاستهتار بهم طيلة فترة الاضراب ووعدهم بتنفيذ مطالبهم باسرع وقت وفورا . لا الخروج من اجل التأكيد ان من لم يطع ولم يلب الولاءات ولم يخضع لوسائل الضغط التي مارستها الوزارة على المدارس ايام الاضراب سيتم ملاحقته بذلك الكلام المبطن .
نحن في زمن يتم فيه الازدراء بالانسان …
One comment