التوجيهي بين الظاهرة والواقع: هل من دروس تلتقطها وزارة التربية والتعليم؟

التوجيهي بين الظاهرة والواقع: هل من دروس تلتقطها وزارة التربية والتعليم؟

 

استيقظ المجتمع الفلسطيني اليوم من رام الله الى القدس وصولا الى غزة، على أصوات مفرقعات دوت الارجاء. للحظات كانت هناك مشاعر رعب وهلع، انتهت، مع التذكر انها مفرقعات فرحة نتائج التوجيهي.

في مجتمع متفرق، متمزق، تائه، متقطع الاوصال، تجمع اليوم في فرحة واحدة. فرحة او دمعة لا يهم. فهناك الناجح وهناك من لم يحالفه الحظ. هناك من تفوق بعلامات مرتفعة وهناك من تزاحم مع علاماته من اجل نجاح مقبول او يتوقف الى جانب العلامة شامخا.

فلا يزال التوجيهي على الرغم من التحفظات والاستياء والتذمر منه، ما يحمله الانسان الفلسطيني معه طوال حياته بجانب إنجازاته ليقيمه سلبا او إيجابا. ” قل لي كم أحرزت بالتوجيهي لأقل لك من انت “.

هذا الكم من المفرقعات التي تدوي السماء منذ الصباح، جعلني أتساءل او ربما اتوقف امام فكرة التوجيهي واهميته.

التوجيهي ظاهرة يمكن ان يكتب عنها التاريخ في يوم ما، إذا ما رصدنا هذا الكم من اللهفة والانتظار. هذه الفرحة وكأنها فرحة العمر الوحيدة. وانتكاسة لا يداويها أي انجاز إذا ما لم يحالف الحظ صاحبها.

أحيانا أفكر كم يرتبط التوجيهي بلحظات اعلان نتائجه بالهوية الثقافية والاجتماعية والوطنية. بكل صدق أفكر بهذه اللحظات، كم استطاع التوجيهي ان يجمع المتفرق، وكم وحد المنقسم. كم نحتاج الى لحظات كهذه.

ولكن لأننا شعب نعيش هكذا على الظواهر ونحب الاساطير ونحملها على اكتافنا، فتذكرنا بماض جميل عشناه او تمنيناه، تنتهي صورة التوجيهي المبهرة والايجابية بعد هذه اللحظات.

تنتهي بعدما نتأكد ان هناك بالفعل من يوصم بسبب علامة متدينة. وقد نرى امثلة متفرقة لنجاحات لا ترتبط بالعلامات. ولأكون إيجابية اليوم، سأستخدم ابن الهباش كمثال حي للنجاح. قد نسخر بسبب الفساد الحقيقي، ولكن إذا ما تنبهنا، فان الشاب على الرغم من انه أحرز معدل متدني جدا الا انه استطاع ان يلتحق بجامعة ويتخرج ويصبح وكيل نيابة. مع الأسف في سلطة مليئة بالفساد، لم يستطع الهباش الاب بإقناع وزارة التربية والتعليم بتعميم مبدأ أن الحاصل على معدل متدني يستطيع ان يكمل حياته الاكاديمية وينجح. فبالعادة، ان وزارة التربية والتعليم هي الجهة السيادية التي تمنع الطالب الذي حصل على علامات متدنية من التحصيل العلمي في مختلف المجالات، لأنها ترفض الاعتراف بشهادة علمية لا تحمل ما يناسبها من معدل توجيهي او ما يمكن معادلته بها. أي ان هناك شروطا تضعها الجامعات الفلسطينية على الطلاب مستمدة من لوائح التربية والتعليم بهذا الصدد.  وهنا قد تكون هذه فرصة للمطالبة بعدم وضع ضوابط قمعية بشأن العلامات. ومثال ابن الهباش ليس المثال الوحيد، فهناك الكثير من الطلاب الذين لم يحالفهم الحظ بعلامات عالية واستطاعوا ان يتخرجوا بشهادات طب وغيرها.

ولأنني في صدد الإيجابية احتفالا مع المحتفلين بهذا اليوم المهم بحياتنا كفلسطينيين، أتمنى لو تتنبه وزارة التربية والتعليم الى أهمية التوجيهي، وعليه تبدأ بالعمل الحقيقي على تحسينه وتطويره بما يتناسب مع التعليم الذي يرقى بأبناء المجتمع.

فليس مصادفة ولا طفرة، توجه الكثيرين للامتحانات البديلة للتوجيهي، كالبكالوريا والسات والجي سي أي من جهة، والبغروت الإسرائيلي من جهة أخرى.

فالتوجيهي ليس مسمى يتحول الى “انجاز” ونرقى به لجودة التعليم. التوجيهي بمسماه الأصلي هو جزء من الهوية والتراث الجمعي، ولكن مضمونه بكل ما يحتويه من ازمة بالمناهج على كافة المستويات والتي تجعل الاهل في تفتيش دائم عن بديل، إذا ما استطاعوا لذلك سبيلا!!

لو كنت مكان وزير التربية والتعليم اليوم، لتوقفت بكل جدية امام ما جرى من مفرقعات واحتفالات وفرحة حقيقية اسعدت هذا الوطن الذي لم يعد ابناءه يفهمون بالتعبير عن الفرحة الا بالمفرقعات، وفكرت كم هو مهم هذا الامتحان الأخير الذي يطوي صفحة أساسية بنيوية لأبنائنا تحملهم الى صفحة جديدة من أعمارهم وتحاربهم. وبماذا يخرج الطلاب من فوائد وامكانيات تؤهلهم للدخول الى المرحلة التالية.

العمل الجاد على تحسين نظام التوجيهي، بدء من مراجعة لمناهج، وتأهيل حقيقي لمعلمين، واستثمار بالمدارس والهيئات التدريسية، تقدمنا خطوات نحو جيل يستطيع ان يفكر لنفسه ويبدع. جيل نؤمن انه سيحملنا معه نحو المستقبل للأفضل لا للهاوية …لجيل لا تنتهي فرحته بمفرقعات تدوي الارجاء ليثبت انجازه.

التوجيهي ليس فقط امتحان تظهر به نتيجة ما بعلامة، نحتفل او نبكي بسببها. التوجيهي هو محصلة سنوات من العمل من اجل بناء جيل يبني المستقبل. فماذا تحمله هذه السنوات غير العلامة؟ ومتى سنصل الى مرحلة يكون الإنجاز هو ما يتوج به الطالب نجاحه لا علامة تقرر مصيره.

وهنا الإنجاز هو ليس انجاز التسمية الباهتة الفارغة من مضامين الإنجاز الحقيقي.

One comment

اترك رد