تخطى إلى المحتوى

لا مكان لأنثى على مسرح الحياة: من عشتار الى أميرة… من إسراء الى نورا

لا مكان لأنثى على مسرح الحياة: من عشتار الى أميرة… من إسراء الى نورا

المشهد الثقافي الفلسطيني والمشهد السياسي والاجتماعي يصب في نفس الخانة. خانة واحدة لم تعد تعرف الا التطرف والاقصاء والانقسام والفرقة والحقد والاغتراب.

كل يعيش في انقسامه وفرقته واغترابه، وكل يعيش بإصرار لأن يكون هذا المكان له ولعشيرته وفصيله وعائلته فقط. صرنا نتزاحم على مكاننا في حيزنا العام والخاص، ولم يبق للاحتلال في حياتنا الا المزيد من التحكم بنا على حيز نتزاحم على السيطرة عليه بينما يسيطر الاحتلال على المكان كله ويتركنا في زوايانا كالفئران نتجادل على قطعة جبن عفنة: هولندية او سويسرية، والجبنة لا تصلح للأكل ولا علاقة لها بالأجبان. 

نعود مرة أخرى لنطلق نداءاتنا التشجيعية او المليئة بالشجب بهاشتاغات ممكن ان تعمل “ترند” لنقول “كلنا فلانة أو علانة”. كلنا ضحية قتلت او ضحية يتم التنمر عليها. وعندما نمل من السجال والقتال والدفاع والهجوم وعرض كل ما نملكه من معلومات او مسبات نهدأ لنلتفت لما يقوم به الاحتلال ونصرخ ضد الاحتلال لشهيد او لأسير او لمصادرة ارض او هدم بيت.

امورنا كلها متشابكة ومتهالكة ومتآكلة، لم نعد نعرف ان كان هناك ما يمكن إصلاحه في هذا النسيج البالي. 

بينما ننتظر ببلادة تصفية أخيرة لقضيتنا الفلسطينية في مشهد قد يكون الأخير، كمن يشاهد مسلسلا في اجزائه الكثيرة وقد وصلت الاثارة فيه الى ذروتها مرات كثيرة ومللنا، وعليه ننتظر الموسم الأخير لننتقل في تركيزنا لمسلسل اخر. فلم يعد في هذا المسلسل ما يمكن اجتراره من احداث وإعادة اختلاقها لتتناسب مع ذائقة المشاهدين وتشدهم اليها.

مسألة الضم التي تبدو وكأنها ستكون تحصيل حاصل بين يأس شعبي من أي صلاح في سلطة فاسدة وبين سلطة تنتظر دعما لموقفها الدائم بانتظار لتفعيل مفاوضات بإملاءات مع كل صاحب قوة ونفوذ واموال يضخها في جيوبها، فتلهي الشعب بشعارات وزحف وجمهرة ويصفق الشعب في بعضه ويسكت يأسا في بعضه بانتظار كارثة تحل عليه فتلهيه من جديد. 

والكوارث صارت يومية، وحدّث ولا حرج. 

إذا ما كان المسلسل الفلسطيني في موسمه الأخير يشتعل بالمشاهدات والاحداث، كما في المسلسلات التركية التي نظن ان المسلسل قد شارف على الانتهاء فلم يعد هناك احداث يمكن افتعالها، فنرى تزاحم جديد يخرج من كل اتجاه تكون عين المخرج فيه والمنتج على المشاهدات ليقرر ان كانت الحلقة الأخيرة في دقائقها الأخيرة ستغلق المسلسل ام تجره الى موسم جديد. 

من الناحية السياسية لا افق لحل سياسي على الرغم من حل الرئيس للاتفاقيات التي لم نفهم ابدا ما عنى بكلامه بها. 

وكما في مسرحية الزعيم، لا يزال الرئيس ممسكا ببواطن القوة، فكلما ظن المشاهد ان الرئيس قد اقترب من الموت بسبب طعونه الواضح بالسن، كلما خرج لنا ببوادر حياة من جديد ليسقط فيها حسابات ومخططات المقربين منه المتربصين للحظة الصفر للجلوس على كرسيه. فالكل عينه على الكرسي وعينه الأخرى على التغير الإقليمي والسباق على استرضاء من سيتوج الرئيس القادم. والايدي والارجل بين دعس على المواطن وبين تكميم فمه. 

اما المرتزقة من أصحاب المقامات الموجودة والمحتملة فينتشرون بين ترعيب وترهيب وفتنة والهاء من جهة، واقتناص أخير لفرصة في تعيين او تثبيت او ترقية له ولأقربائه وعشيرته ومواليه. فمن جعل المتربصين نحو كرسي الرئاسة بالأمس بيادق مهمة اليوم سيجعلهم بالمستقبل مهمين كذلك. 

نحن شعب افراده المشكلين لحجم وطن يمكن ان يملئوا خريطة العالم إذا ما وزعنا حجم وطنهم الذاتي الشامل وقد تحتاج البشرية لكوكب اخر. 

والشعب بين كارثة جديدة ترعبه يفتح عينيه عليها يوميا لجريمة قتل جديدة، وبين توضيع للفكر ينحسر بين الحلال والحرام، الشريعة والقبيلة، ونصرة الإسلام القادمة من حفيد ارطغرل المزعوم او الالتفاف بصمت او علانية نحو أبناء صهيون. والهامش في الأغلبية محاصر في زوايا تملؤها الفئران التي تكبر لتكون جرذان تهدد بطاعون.

امرأة شابة – كان اسمها نورا- قتلت منذ عشر سنوات واستطاع قاتلها إخفاء جريمته وابنته بلا شك ولا ريبة من محيطها. جريمة تشكل حقيقة مدوية في بشاعة ما تشكله حياة الاناث في هذا الوطن. رخيصة، مستباحة، لا تعني أي شيء. للرجل كان ابوها او اخوها او زوجها او جارها او عابر طريق ان يتخلص منها بلا رقيب ولا حسيب. فالتهمة دائما جاهزة ليتقبلها الجميع ويخرس عن الخوض بها كذلك الجميع.

كم جريمة اخري نحتاج لنتأكد ان التغيير لا يأتي بالتمني ولا الاستجداء. كم نيفين واسراء ونورا ستلتحق بقوافل قتل الاناث؟ 

كيف يمكن ان نتغير او تتوقف دائرة القتل الغاشمة بينما نعيش في مجتمع انزل عشتار عن المسرح لأن جسد الانثى فتنة، واخرس اميرة لأنها تجرأت وخاطبت متحدث الحكومة متسائلة عن حق الفنانين.

كيف يمكن ان نعيش في مجتمع رجاله ونسائه المتلحّفين المتستّرين بالدين لا يرون من المرأة إذا ما تكلمت وظهرت الا عاهرة وفاجرة وجب قتلها او اغتصابها والتحرش فيها فعل مستحق؟

كيف لا والعذر المبيح بالقتل مقدم على طبق من فضة، تملؤه فناجين القهوة ودية اذا ما تقرر بعض القيمة للضحية او اهلها. 

ولكن… منذ سكتنا عن إيقاف رقصة على مسرح ترعاه وزارة الثقافة بحجة الدين والعرف والتقاليد، وتغاضينا عن إنزال عشتار عن المسرح، من الطبيعي ان تصبح الانثى مجرد عاهرة إذا ما كان الفن مهنتها. فذكورنا هؤلاء لا يعرفون عن النساء بعد امهاتهم الا تلك اللاتي يشتهون بالخفاء وراء شاشاتهم من فيديو كليبات بخيسة الى فن تروجه نتفليكس وتركيا اذا ما كان هذا الذكر في احسن احواله متطور..وما يخفى من مواقع اباحية فلا تُحدّث لكي لا نصيب العطب خرما اكبر.ا. 

الحق ان الانثى منا لا تحتاج الى ان تكون فنانة ليرى بها المعتوهين المتشوهين فكريا واخلاقيا زانية عاهرة، فما ينتجه المجتمع مؤخرا لا يرى الا الفجور والعهر والخيانة والعمالة والنصب والاحتيال والفساد وسيلة لبناء عروش الأوطان.

فلقد رأينا الهجوم على وزيرة المرأة والصحة وهن من “عظام الرقبة” لهذا النظام.

رأينا التكاتف والتلاحم كما رأينا الهجوم والتعدي على مجرد التلويح بقوانين حماية الاسرة. 

فلا عذر لمقتولة او مغتصبة او متحرشه او مضروبة الا استحقاقها لما حل بها… فالأنثى فتنة يجب ان تتستر او تخنق حتى تذبل او تفنى.

لا عذر لطفل قتله ابوه ضربا وتحرش به قريب وغدر فيه. 

.ولا عذر لضحية لأن الجاني ذكوريّ سلطويّ يحق له الاستباحة في كل شيء. والذكورية السلطوية لا يتفرد بها الذكور، فهي منظومة شاركت في تركيبها أنثى. فهؤلاء ربّتهم أمّ ربّما يعاملوها إن برّوا على أنّها مدخلهم إلى الجنة.ء.

وما علينا الا السمع والطاعة او الموت. 

1 أفكار بشأن “لا مكان لأنثى على مسرح الحياة: من عشتار الى أميرة… من إسراء الى نورا”

  1. تنبيه Pingback: جرائم قتل النساء…استباحة ام اعتيادية وسط كل هذه الانهيارات؟ – نادية حرحش

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading