التعليم بزمن الكورونا إلى أين؟
اقتربنا من بدء العام الدراسي الجديد، وأكثر من مليون طالب وطالبة على عتبة العام الجديد ولا يزال التعامل مع الوضع الدراسي غير مفهوم.
في مؤتمر وزير التربية والتعليم بهذا الصدد، أعلن عن سلسلة من الإجراءات تتضمن التعليم الوجاهي وعبر الانترنت. تكلم كذلك عن إجراءات لتسهيل رزم الانترنت من قبل الوزارة المسؤولة. الحقيقة لا اعرف كم يمكن وصف الوضع بأنه ممكنا، فخطر لي بعض الأسئلة في حينها، تتعلق بموضوع بسيط، وهو إذا ما كانت أجهزة الكمبيوتر متاحة لجميع الطلاب. هنا لا يمكن ان نقول اننا نستطيع قياس وجود أجهزة الكمبيوتر على حسب العائلة، أي انه لا يمكن حساب ان كل عائلة يجب ان يكون لديها جهاز كمبيوتر. فلو كان لدى العائلة أربعة طلاب بالمدارس، فلا يمكن التفكير الا بالحاج لأربعة أجهزة لذلك البيت وهكذا. هذا يعني ان الحاجة للإنترنت ستكون أكثر كثافة وبالتالي استخدامها سيكون أكثر كلفة. وهناك كذلك مناطق نائية بالكاد نعرف عنها او نسمع عنها لا تصل خدمات الانترنت لها أصلا، ناهيك عن خدمات الكهرباء بها.
هنا نتكلم عن الحاجة الفعلية لما يقرب على مليون ونصف جهاز كمبيوتر. إذا ما كنت ارقام جهاز الإحصاء الفلسطيني تشير الى ١٢٥٣٢٣٨ طالب وطالبة لسنة ٢٠١٧\٢٠١٨ و٥٦٦٦٨ معلم ومعلمة لنفس السنة، بفرضية ان البعض يملكون أجهزة كمبيوتر وان هذا الرقم قد زاد بنسب تزيد الاعداد منذ تحديث جهاز الإحصاء الأخير.
وعلى حسب جهاز الإحصاء فإن عدد الاسر التي لديها أجهزة كمبيوتر وخدمات لنفس السنة كانت كما يلي:
القيمة | |
نسبة الاسر التي لديها جهاز حاسوب (حاسوب مكتبي، لابتوب، آيباد أو تابلت) | ٣٦،٩ |
نسبة الاسر التي لديها خدمة الانترنت في البيت | ٦٤،٥ |
نسبة الاسر التي تمتلك خط هاتف نقال واحد أو أكثر | ٩٦،٤ |
نسبة الأفراد (18 سنة) فأكثر الذين يستخدمون الحاسوب | ٨٥،٣ |
نسبة الأفراد (18 سنة فأكثر) الذين يستخدمون الانترنت | ٦٤،٤ |
كيف سيتم تأمين هذه الأجهزة؟
لا اريد نبش الماضي وفتح باب المساءلة هنا، عن الصفوف الالكترونية والتعليم المحوسب والأجهزة التي تابعنا افتتاحاتها بالوزارة الذي شكلت استراتيجية الوزارة حينها. ولكن في وقت كهذا، علينا السؤال كيف سيتم توفير هذا العدد من الأجهزة إذا ما كانت خطة وزارة التربية والتعليم الحالية قابلة للتطبيق.
من سيدفع ثمن هذه الأجهزة؟ الطلاب ام وزارة التربية والتعليم؟ هل ستستطيع العائلات توفير خمسة أجهزة مثلا إذا ما كان هناك خمسة طلاب في بعض العائلات؟ وكذلك يبقى نفس السؤال للعوائل التي لا تملك ثمن جهاز كمبيوتر؟
وإذا ما انتهينا من هذه الإشكالية، من سيتحمل نفقة الكهرباء والانترنت؟ نحن نتكلم هنا عن ضغط حقيقي وزيادة بتكلفة الكهرباء والانترنت. هل ستستطيع العائلات الفقيرة والمتوسطة كذلك تأمينها؟
وإذا ما افترضنا جدلا ان الحكومة ستوفر جهاز كمبيوتر لكل طالب وتساهم في نفقات الكهرباء والانترنت للعائلات، هل تم التفكير بالأهالي. الأمهات العاملات ما الذي سيحدث لهن؟
على حسب جهاز الإحصاء
فان نسبة النساء العاملات في القطاع العام هو ٢٩،٦ بالمئة، مقابل ٦٩ بالمئة في القطاع الخاص وما نسبته ١.٤ بالمئة من النساء يعملن بالمستعمرات الإسرائيلية. اما النساء العاملات في القطاع الزراعي فيشكلن حوالي ١٧بالمئة.
المصدر:
http://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2397.pdf
وطبعا بالإضافة الى كل ذلك الأمهات من المعلمات، ماذا سيحل بأبنائهن؟
الحقيقة لا اعرف ماهية الخروج من هذا المأزق، لان الحل المطروح سيخرج أزمات أكبر واسوأ من الكورونا. ولا اريد هنا ان ابدأ كذلك بدائرة اللوم والتقصير وطرح سؤال اخر، وهو غياب الاقتراحات المدروسة والممكنة خلال الشهور السابقة.
الكورونا ازمة عالمية، وقعنا بها ونعاني منها مثل غيرنا، ولا تزال دول العالم تحاول التعامل معها وإيجاد الحلول الأنسب. ولكن ما جرى معنا حتى هذه اللحظة هو إجراءات وقائية اقتضت عدم الذهاب الى المدارس والاكتفاء بما أتيح
من تعليم الكتروني جزئي ومقتطع وغير مفهوم رأسه من قدميه. ولكننا تفهمنا ان الامر كان طارئا واخذ العالم بأسره على حين غرة. واختلافنا عن العالم هو بشح الإمكانيات. فالعالم العادي يستطيع ان يوفر الفرص في هكذا ظروف من تسهيلات وتعويضات ومنح. ما الذي يمكن ان تقدمه ميزانية السلطة التي تزداد مشاكلها المالية ومهددة بالإفلاس والانهيار؟ هنا نتكلم عن إشكاليات متداخلة أسهلها صعب
: عدم إمكانية توفير أجهزة على حسب الطلب، ولا يمكن توفير الخدمات المترتبة على هذا من كهرباء وانترنت.
لا يمكن ترك الأطفال بلا اهاليهم في حالة عمل كلا الوالدين.
المساحة عنصر أساسي اخر، ما الذي سيترتب على عائلات ببيوت صغيرة مع طلاب أكثر من واحد واثنين؟
وهنا اطرح السؤال الذي يمكن ان يكون فيه الحل: لماذا لا تعتمد التربية نظام تعقيم يتضمن تعقيم على مدار الساعة للصفوف وتزويد الطلاب بالكمامات والمعقمات اثناء الدوام؟ وفي حالة الاكتظاظ بالصفوف، يتم اعتماد النظام الصباحي والمسائي معا.
هنا، تزيد الوزارة من اعداد المعلمين، ولا شك لدي ان طوابير المقدمين والمقدمات لوظائف التعليم كثر.
فبدلا من ان نجد أنفسنا بوضع بطالة لعشرات الالاف من الأمهات، تستطيع الوزارة تشغيل بعض الالاف من المعلمين والمعلمات. وبدل من تفاقم فواتير الكهرباء والانترنت، تقدم الوزارة هذه التكاليف للتعقيم وموظفي النظافة.
الكورونا لم تعد طارئا في حياتنا. والتقديرات تشير الا اننا سنتعايش معها لعام اخر على الأقل. والوقاية ممكنة إذا ما تم تفعيل نظام وقائي معتمد مع وزارة الصحة.
طبعا، لم أتكلم عن المعضلة الأخرى التي ينتظرها التعليم الجامعي كذلك. لتشكل الأقساط الجامعية السؤال المحوري القادم للكثيرين. والتي سنشهدها كذلك بالمدارس الخاصة. النسبة والتناسب بين المبالغ التي سيدفعها الطالب مقابل الخدمة التي سيتلقاها؟
كلما دخلنا بالموضوع بتعمق أكثر، سنصطدم بإشكاليات أكبر، وتبعات أكبر. لأن التعليم المنزلي سيشكل تدريجيا عبئا أكبر على العائلات، بين اضطرار الكثيرين للبقاء بالمنزل وبين الاستعانة للمقتدرين بمعلمين خصوصيين. وبين ازدياد الأعباء المادية على هذه الإجراءات مقابل شح الإمكانيات المادية لدى الناس. ولقد رأينا ما رأيناه من عدم مقدرة للسيطرة على اجبار الناس على الالتزام بمعايير البقاء بالمنزل وممارسة الحياة الطبيعية بعد شهور من الجلوس بالبيت أدى حرفيا لخراب الكثير من البيوت المستورة، ولا يشكل العنف الذي نشهده يوميا اثرا غريبا عن الاحتقان الحاصل بين قلة الحيلة والخوف من تفشي الوباء وقطع ارزاق الكثير من الناس. فليس بالغريب قرار المعظم بالمجازفة بالإصابة بالفيروس مقابل تأمين لقمة العيش.
وهنا مرة أخرى، الحكمة تستدعي من التربية والتعليم العالي إلزام المدارس والجامعات بتدابير وقائية وتحسين ظروف الصفوف وتوفير المزيد من الكوادر وإعادة العجلة للحياة التعليمية بتوزيع الدورات التعليمية (صباحي ومسائي). فرب توفير فرصة عمل أفضل من قطعها في هذه الحالة الصعبة التي يعيشها الجميع. لأنه في لحظة ما سيعلن الاهل عصيانهم عن دفع الأقساط، وستتكبد المؤسسات التعليمية بتبعات أخطر بالتخلص من موظفيها.