تخطى إلى المحتوى

الموقف الفلسطيني الرسمي المنحاز (المنصاع) للمطالب (الأوامر) الامريكية: لماذا يصر أصحاب السلطة على شروط الرباعية؟

الموقف الفلسطيني الرسمي المنحاز (المنصاع) للمطالب (الأوامر) الامريكية: لماذا يصر أصحاب السلطة على شروط الرباعية؟ 

قبل عدة شهور كتبت مقالا بعنوان “الموقف الأمريكي المنحاز لدعم المصالح الامريكية وإسرائيل بمباركة فلسطينية”، الذي بدا فيه الموقف الأمريكي المبدئي بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي منحازا بالمطلق لإسرائيل، وحذر من خلاله ارباب اللوبي الصهيوني مثل دينيس روس من أي تحرك امريكي بشأن تسوية سياسية بدون شروط الرباعية كأساس. 

مفهوم لماذا يريد الصهيونيين التأكد من هذا الشرط، لأن شروط الرباعية تبدأ من التأكد من وجود واستدامة الانقسام الفلسطيني. 

قبل أشهر، كانت الأمور كذلك أقرب لإمكانية حديث عن مستقبل الوضع الفلسطيني الإسرائيلي، فكان هناك إمكانية لانتخابات فلسطينية، وكان هناك عدوان وتعدي بين ما جرى في القدس وسائر المدن الفلسطينية وما حدث في غزة. 

يعني نستطيع ان نفهم “قلق” اشخاص مثل دينيس روس ومحاولته استباق أي تحرك سياسي محتمل بفرض القواعد الامريكية- الإسرائيلية المصلحة.

اليوم، وبينما لا يستطيع المرء التفكير الا بكارثية وضع السلطة التي تفقد شرعيتها في كل يوم أكثر منذ الغاء الانتخابات ومقتل نزار بنات وما يجري يوميا من قمع للحريات وتنكيل بالمواطنين، مع استمرار تفشي الفساد في محاباة السلطة لأربابها بالوظائف والتعيينات والترقيات وتدوير المناصب ومحاولتها العمياء بالتغيير الوزاري لما يتناسب مع متطلبات افراد السلطة من الحزب الحاكم في الضفة الغربية.

صرح رئيس الحكومة الفلسطينية بما يبدو وسط كل المشاكل والمصائب الحقيقية الداخلية بعدم وجود شريك للسلام ودعا الى العودة الى الرباعية الدولية، وكأن مشاكلنا تنتهي إذا ما حللنا بالرباعية التي تكرس كل ما تدعو فيه القيادة هذه بالعلن من الدعوة الى الوحدة وانهاء الانقسام. او بالأحرى، تكرس التفرد الفتحاوي كسلطة وحيدة وأبدية. لنقول مثلا، ان حاجتنا الملحة هي حكومة وحدة وطنية، بمجرد الدعوة الى العمل تحت شروط الرباعية يعني ان لا إمكانية لهكذا حكومة. 

افهم، ربما، حاجة رئيس الحكومة لتكريس ما يجعل بقائه أطول وأبدي طبعا، ولكن يبدو ان الامر اكثر من حكومة، فبتنا نسمع عن هذه المطالبة من حسين الشيخ وماجد فرج وسبقهم طبعا الي ذلك أبو مازن.  

ما هي شروط  او مبادئ الرباعية التي يريد رئيس الحكومة إعادة احياء عملية السلام من خلالها؟ 

لا اعرف ان كان هناك حاجة للحديث عن الظروف التي جعلت من تشكيل هذه اللجنة مهمة في حينه، او عن الاتفاقية، حيث كان موضوع “حل الصراع الفلسطيني\العربي الإسرائيلي” اكثر أهمية في اشغال العالم. فكانت مبادرة من رئيس الوزراء الاسباني في مدريد سنة ٢٠٠٢ وبعد عامين من انتفاضة الأقصى. تشكلت اللجنة من تمثيل اربع دول على مستوى وزراء خارجية هم الولايات المتحدة الامريكية، روسيا، بريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام. 

ولكن بالتأكيد من المهم الحديث عما يدور عندما يذكر رجال السلطة هذه المباديء المتمسكين بها وكأنها وثيقة تحرير فلسطين، فلقد مر من تحت ارجلنا اتفاقيات وتفاهمات سنمضي ما تبقى منّا بينما تتكشف بنودها امامنا كل يوم. المبادئ الثلاثة كما حددتها الرباعية هي كما يلي:

 (١) يجب أن تعترف الدولة الفلسطينية بدولة إسرائيل دون الحكم مسبقا على المظالم أو الادعاءات المختلفة المناسبة.

 (٢) الالتزام بالاتفاقيات الدبلوماسية السابقة

(٣) نبذ العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف.

منذ اللحظة الأولى كان هناك عقبة أساسية ضمن عقبات كثيرة في التوفيق بين المواقف المتباينة لأصحابها، خصوصا روسيا وامريكا من اتفاق أوسلو وتطبيقاته التي فشلت في تحقيق تسوية على الأرض، والتعامل مع حماس التي كانت قد بدأت تشكل عنصرا مهما في المعادلة الفلسطينية. بكل الأحوال تمخض عن هذه اللجنة ما صار يعرف ب “خارطة الطريق” (٢٠٠٣) استنادا الى رؤية الرئيس الأمريكي في حينه جورج بوش.

منذ اللحظة الأولى، كان من البديهي معرفة ان أي اتفاق يعني املاءات أمريكية إسرائيلية بلا أسئلة، مما اكد ان أي مراهنات على موقف الرباعية بإحقاق أي عدل لن يكون الا رهانا خاسرا.  من جهة، الموقف الأوروبي يحكمه مصالح كل دولة على حدا، فكان من شأن خارطة الطريق التي عرضها بوش تمهيدا للتفرد الأمريكي بالتدخل المطلق بالصراع القائم، كما نراه اليوم. 

ليس من قبيل المصادفة، ان الرئيس الفلسطيني ينادي بالرباعية مع كل ازمة ليلوح الى أمريكا بأن هناك شركاء اخرون يستطيعون التحكم بمصير هذه القضية. 

وعليه، كان دور الرباعية منذ اللحظات الأولى رهن السياسة الامريكية المتفردة التي حرصت على عدم إعطائها أي دور الا ذلك الذي يؤكد على تحييد واخناع الفلسطينيين وخدمة الوجود والمصالح الإسرائيلية بالشرق الأوسط. فمنذ تأسيسها وتكريس عمارة بطوابق شاهقة لها وسط القدس (الشيخ جراح) وضخ الأموال واستيراد الخبرات الى مكاتبها، لم تستطع الرباعية ان تتخذ موقفا مستقلا ومحايدا بشأن الحصار على غزة. على العكس من ذلك، لعبت الرباعية دورا مفصليا بتكريس الانفصال وفرض الحصار على غزة وجعلت المجتمع الدولي (باستثناء روسيا) بوقف التعامل مع حكومة حماس، على الرغم من النصوص الصريحة في مواثيق الأمم المتحدة التي تنادي فيها الى فك الحصار عن الدول او ان تقف محايدة ان لم تستطع. 

ولكن، تمخض عن تلك الفترة اتفاقا مهما، وهو اتفاق مكة (٢٠٠٧)، الذي شكل نقلة نوعية في موقف المجتمع الدولي تجاه الحكومة التي نتج عنها فوز حماس بالانتخابات حينها بإيجابية شكلت بوادر انفراج وفرصة لإعادة الحسابات تجاه موقف بعض الدول من حماس، والتي قدمت برنامج سياسي يحترم قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات السابقة بين الطرفين، كان ممكن الاستفادة من هذه الاتفاقية ولا تزال تشكل قاعدة يمكن العمل منها اذا ما كانت النية الفلسطينية حسنة. 

– (١)حرمة الدم الفلسطيني ، واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك .  (٢) مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال. (٣) وتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.  (٤) واعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية

ولكن، بكل تأكيد، يبدو ان تكريس الانقسام هو النية المطلقة هنا. والرضوخ لشروط الرباعية هو دعوة لتكريس الانقسام، بالإضافة الى التأكد من الخنوع الفلسطيني المطلق تحت حجة “العنف” ، وهذا ما تريده إسرائيل وامريكا طبعا. 

وعليه، أتساءل مرة أخرى، من العبقري الذي أشار لأباطرة السلطة بالتلويح في كل فرصة بالدعوة الى الرباعية الدولية كأساس لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ 

اكاد اجزم صحة “نظرية المؤامرة” التي تدور في رأسي، فلا يمكن ان يكون من قبيل المصادفة هرولة دينيس روس بعيد تسلم الإدارة الامريكية الجديدة الحكم بتحذيرها من مغبة العمل بدون شروط الرباعية كأساس. لنتساءل مرة أخرى عن دور أمريكا ورجالات السلطة في تكريس الانقسام واعدام أي فرصة لأي نهوض فلسطيني يتمثل أولا بإجراء انتخابات. نحن لا نحتاج الى تعديلات وزارية، تلبي مطالب أمريكا الحالية من اجل اقاء الوضع على ما هو عليه. 

قد تقع السلطة في شرك أكبر اليوم إذا ما تدخلت أمريكا وبريطانيا بفرض مطلبها الأخير بإنشاء جهاز أمني جديد فوق الأجهزة الأمنية الكثيرة المتصارعة حاليا. طبعا، نحن الشعب سندفع الثمن الأكبر، ولكن الشرك سيضيق على أصحاب السلطة. ربما لن تستطيع أمريكا وبريطانيا فرض تشكيل جهاز يعين رئيسه أبو مازن، لأن الشواغر هي لنفس الأشخاص، ولن يرضى أحدهم بأن يتمكن منه اخر. الا إذا كان أبو مازن شخصيا هو على رأس هذا الجهاز، او ربما قررت أمريكا استحداث دايتون جديد لهذه المهمة.

بالنهاية، ومرة أخرى لكلام قيل من قبل ولن تستقيم الأمور بدونه: لا يمكن ان تقوم لنا قائمة بينما نستمر بالعيش بانقسام يتم التكريس له يوميا، فالحاجة الى حكومة وطنية جامعة مطلب أساسي للعمل الجدي، لا يمكن ان نكون جسمين منقسمين متحاربين ندعو الى انتخابات واحدة. لا يمكن التأكد من نزاهة الانتخابات في ظل حكومتين. ولا يمكن اجراء انتخابات كما رأينا في ظل غياب للأمن والقانون والتحكم بالتشريعات والقضاء بلا اليات واو مرجعيات وعلى حسب قرار جهة واحدة تتحكم بالقانون، والقضاء، والتشريع، والامن. وعليه هناك حاجة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات كاملة لفترة زمنية محددة تنتهي بإجراء الانتخابات اللازمة. 

وعليه كذلك، لا يمكن لهذا ان يكون بدعوة لتفعيل الرباعية الدولية التي يؤدي الالتزام بشروطها الى ادامة الانقسام. 

لماذا لا نسمع عن اتفاق مكة؟ الا يعطي هذا فرصة لتدخل عربي وإعادة ضخ الحياة في العملية السياسية؟ ولكن اتفاق مكة يتكلم عن حكومة وحدة وطنية!!!!!

كم تبدو الفرص ممكنة لإنقاذ أخير لهذه السلطة إذا ما خرج منها صوت عاقل يصدق هذه القضية، ولكن عبث….. السقوط المدوي الى الهاوية هو حل هذه السلطة.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading