تخطى إلى المحتوى

هل علينا البدء بمساءلة حقيقية للمجتمع الدولي وتحميله مسؤولية انتهاك حقوق الانسان في السلطة الفلسطينية؟

 ماذا بشأن “بعثة الاتحاد الأوروبي لمساندة الشرطة المدنية الفلسطينية وسيادة القانون EUPOLCOPPS” ؟

هل علينا البدء بمساءلة حقيقية للمجتمع الدولي وتحميله مسؤولية انتهاك حقوق الانسان في السلطة الفلسطينية؟

 ماذا بشأن “بعثة الاتحاد الأوروبي لمساندة الشرطة المدنية الفلسطينية وسيادة القانون EUPOLCOPPS” ؟

عندما أعلن المرحوم نزار بنات رغبته بالتقدم الى الاتحاد الأوروبي والمحاكم الدولية ذات الاختصاص في بروكسيل بالمطالبة بوقف الدعم عن السلطة الفلسطينية، لم استحسن توجهه. كنت حتى تلك اللحظة أفكر اننا يجب ان نحارب من اجل حريتنا وتحررنا بأنفسنا، وأن محاربة فساد السلطة لن تأتي من خلال التدخل الأجنبي. 

كنت افهم كذلك منطق ما أثاره نزار، اذ قال “ان هذه السلطة انتهى الحديث معها”. 

ولكن، كان هناك امر ما يجول في رأسي: هل تختلف هذه الجهات بالفعل عن السلطة؟ الا يشهدون ويشاهدون ما يجري ويسكتون عنه ويمولونه؟ 

منذ اغتيال نزار بنات ودور المجتمع الدولي متمثلا بالجهات الرسمية العاملة في أراضي السلطة بدأ يتكشف أكثر. من البديهي فهم ان الدعم المالي المقدم من خلال المجتمع الدولي قد يمكن تحميله بعض المسؤولية، ولكن مع كل يوم يتبين ان المسؤولية مباشرة أكثر. لا نعرف عن الحجم الكلي للدعم الدولي لأجهزة الامن الفلسطينية المختلفة، ولكن مشاريع سيادة القانون والحوكمة، و”بعثة الاتحاد الأوروبي لمساندة الشرطة المدنية الفلسطينية وسيادة القانون” التي أنشئت في٢٠٠٦ تمثل أساسا مهما للمسؤولية التي يجب وضع البعثة هذه تحديدا امامها. 

كما كل شيء يبدو في بداياته جميلا، كان أثر هذه البعثة في السنوات الأولى له إيجابية الحضور. تغير شكل الشرطي الفلسطيني وصرنا نرى مشهدا مهندما لطيفا. اذكر حتى توزيع الورود للمواطنين في مناسبة ما. ولكن هذه العلاقة الوردية صارت ما نشاهده اليوم من قمع وسحل وضرب واعتقالات ارتبط فيها أداء الشرطة الفلسطينية بغياب سيادة القانون لدرجة لم نعد نحتاج فيها التفكير كثيرا بسوء أداء الأجهزة الأخرى. الشرطة هي ممثل سيادة القانون. القانون الغائب تماما عن أي عدل، ليسود فقط على المواطن ويستخدم ضده لتكبيله وخنقه والتحكم به أكثر. 

فهل هذا نتاج تدريبات هذه البعثة؟ 

من صفحة البعثة الرسمية انقل التالي: 
“بعثة الاتحاد الاوروبي لمساندة الشرطة المدنية الفلسطينية وسيادة القانون جزءاً من الجهد الأكبر للاتحاد الأوروبي في دعم بناء الدولة الفلسطينية في سياق العمل لتحقيق سلام شامل يرتكز الى حل الدولتين.

تُكرّس البعثة عملها بالكامل لإدراج حقوق الانسان ومنظور النوع الاجتماعي ومعايير تعميم النوع الاجتماعي في كافة أنشطتها، داخل البعثة وفي العمل مع شركائنا الفلسطينيين.

مهامنا

  • دعم اصلاح وتطور الشرطة المدنية الفلسطينية
  • تعزيز ودعم نظام العدالة الجنائية
  • تعزيز التعاون بين النيابة والشرطة
  • ​تنسيق وتسهيل مساعدات المانحين الخارجيين للشرطة المدنية الفلسطينية

كان الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة رائداً لجهود تحقيق السلام في الشرق الأوسط.  تشمل الأولويات لديه مزيداً من تعزيز القانون والنظام، وفي هذا السياق فإن بعثة الاتحاد الاوروبي لمساندة الشرطة المدنية الفلسطينية وسيادة القانون هي عنصر مهم في تحسين السلامة والأمن في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تبني بعثة الاتحاد الاوروبي لمساندة الشرطة المدنية الفلسطينية وسيادة القانون على عملها الذي أنشئ في وقت سابق داخل مكتب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط.  تبعت هذه المبادرة ما عبّر عنه قادة الاتحاد الأوروبي في حزيران ٢٠٠٤ حول استعدادهم لدعم السلطة الفلسطينية لتحمّل مسؤولية القانون والنظام، وبشكل خاص تحسين الشرطة المدنية وقدرات انفاذ القانون لديها.

ميزانية البعثة الاخيرة (١ تموز ٢٠٢٠ الى ٣٠ حزيران ٢٠٢١) هي ١٢،٦٥ مليون يورو، يساهم فيها ٢٧ دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بالإضافة الى كندا والنرويج وتركيا.”

الحقيقة، انه ومن هذه السطور يمكن تحميل هذه البعثة المسؤولية على مآل ما يجري ووضعها أمام مساءلة حقيقية وواجبة. اذا ما كانت مهام دعم وإصلاح وتطوير الشرطة يعني ما نراه ونسمع عنه يوميا، واذا ما كان التطوير هو انشاء وحدة  تذكر بما تقوم به أجهزة السلطة بشكل روتيني من تنصت غير مشروع على اتصالات المواطنين واختراق حساباتهم الالكترونية بهدف ابتزازهم ، واذا ما كانت التدريبات تتجلى في ما نقرأه من تعميمات للمتحدث باسم الشرطة كما شهدنا مع الصحافية فاتن علوان و”شقراء رام الله” الأخيرة، واذا ما كان دور الشرط بغيابه بالقضايا الاجتماعية من جرائم يومية، تبدو فيها قضية الأم العراقية الألمانية التي لم يتبق باب الا وطرقته للاستغاثة بمشاهدة طفلها، واذا ما كان عمل الشرطة ما سمعناه من شهادات المعتقلين بغرف الحجز برام الله، ولنا ان نتخيل الظروف في المدن الأخرى. وإذا ما كانت ظروف الاعتقالات هكذا في رام الله، فالله وحده اعلم عما يجري وشكل النظارات والمعتقلات في المدن الأخرى. القذارة، الاكتظاظ المفرط، المعاملة السيئة، الضرب، التعذيب، الشتائم. 

فما الذي تقوم به هذه البعثة وما هو دورها وما هي مسؤوليتها بما يحدث؟

في تصريح للشرطة الفلسطينية على صفحتها بالفيس بوك (٢٦-٨) بعد لقاء اللواء حازم عطاالله مدير عام الشرطة مع ممثلي البعثة ومسؤولين أوروبيين آخرين في أعقاب حملة الاعتقالات الأخيرة، جاء ما يلي: 

“رام الله- المديرية العامة للشرطة- بحث السيد اللواء حازم عطاالله مدير عام الشرطة اليوم الخميس اوجه التعاون والعلاقة ما بين الشرطة الفلسطينية وممثلية الاتحاد الاوروبي لمساندة الشعب الفلسطيني وأجهزته الرسمية وذلك بمشاركة السيدة ماريا فيلاسكو نائبة ممثل الاتحاد الاوروبي والسيدة كاتيا دومنيك نائبة رئيس بعثة الشرطة الاوروبية والسيدة ثيا نيلسون مسؤولة سياسية في مكتب EUPOL COPPSوالسيد اليكسي قالاس المستشار السياحي.

وذكرت ادارة العلاقات العامة والاعلام بالشرطة ان اللواء حازم عطاالله بحث صباح اليوم اوجه التعاون والعلاقة ما بين الشرطة الفلسطينية والاتحاد الاوروبي لمساندة الشعب الفلسطيني واجهزته الرسمية وبمشاركة عدد من الضباط والمسؤولين .

واستعرض اللواء عطاالله دور الشرطة الفلسطينية وعلاقتها مع المواطن وما وصلت اليه الشرطة من مهنية واحتراف في التعامل مع قضايا المواطن وجهودها في تثبيت الأمن والحفاظ على النظام العام وذلك في احترام كامل لحقوق المواطن وعلاقة الشراكة مع أذرع الامن ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين وشكر اللواء حازم ممثلية الاتحاد الاوروبي على ما تقدمه من دعم للشعب الفلسطيني في كافة القطاعات وشكر خاص لبعثة الشرطة الاوروبية على دعمها للشرطة الفلسطينية.

من جهتها أكدت نائبة ممثل الاتحاد الاوروبي ماريا فيلاسكو على أهمية العلاقة واستمرارها بما يخدم سياسة الاتحاد الاوروبي اتجاه القضية الفلسطينية ومساندة الشعب الفلسطيني وأجهزته الرسمية واكدت أيضا على اهمية العلاقة المنفتحة ما بين بعثة الشرطة الاوروبية والشرطة الفلسطينية.”

في نفس السياق أعلنت البعثة على صفحتها خبرا مشابها، ولكنها تطرقت فيه الى ان اللقاء كان: ” مناقشة بناءة وصريحة بين نائب ممثل الاتحاد الأوروبي وبعثة الشرطة ومدير عام الشرطة حول الاعتقالات الأخيرة للنشطاء، وأفضل ممارسات انفاذ القانون، والدور الرئيسي للشرطة في ضمان حقوق الانسان لك الفلسطينيين. سيواصل الاتحاد الأوروبي العمل لضمان تنفيذ واحترام المعاهدات الدولية التي وقعته السلطة…”

قد يقول قائل للوهلة الأولى، ان البيانين متباينان. فلا شك لدي بصحة ما كتب على صفحة البعثة بان اللقاء كان ما كتب عنه، والحقيقة لا يهم ان كان ما جاء على صفحة الشرطة قد أسقط الإشارة الى “الصراحة” التي أوردت في بيان الاتحاد الاوروبي. 

ما هو مهم، هو ما اكدت عليه الشرطة وكذلك البعثة، وهو استمرار التعاون بينهما. 

المجتمع الدولي ممثلا بهذه البعثة – على سبيل المثال لا الحصر- هنا هو جزء اكيد من المصيبة، ان لم يكن هو المصيبة بعينها. فمن درّب واستثمر وساعد ودعم وأهّل هذه الأجهزة، ولا يزال، غير هذه البعثات؟ 

وتتعاظم المصيبة، إذا ظن الاتحاد الأوروبي او البعثة ان المسألة هي مسألة علاقات عامة تنتهي بإصدار بيان شجب او استنكار. المشكلة أعمق وأكبر من ذلك بكثير وتنزع القناع عن زيف ما يتم التغني به من اهتمام بحقوق الانسان وكرامة المواطن من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي.  

اذ بينما ينفقون كل هذه الأموال امام شعوبهم تحت بند سيادة القانون وحقوق الانسان، فإن النتيجة هي كل هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في مبدئيتها، وغياب لسيادة القانون وتكريس للقبلية والعشائرية وانفلات أمني واضح وجلي منذ سنوات.  ان استمرار هذه البعثات بتدريباتها وتأهيلها ودعمها يقول امرا واحدا فقط: امّا انها شريكة مباشرة او انها فاسدة. فاين الرقابة لهذه البعثات؟ ما الذي تقوم به من برامج مختلفة وكيف تقيس نجاحها؟ كيف تستمر بالقيام بما تقوم به، ودعم هذه الأجهزة امام الانفلات الواضح وانهيار المنظومة الأمنية المتمثلة هنا بجهاز الشرطة – على سبيل المثال كذلك لا الحصر -؟ 

كيف تستمر هذه البعثة- البعثات- بتمويل تدريبات وافتتاح مقرات وتأهيل وحضور ورشات وغيرها في ظل الامعان في الانتهاك الصارخ بأبسط حقوق المواطنة؟ 

ما الذي استثمرت به هذه البعثة في السنوات الأخيرة منذ تجلّي إشارات انهيار سيادة القانون وغياب الأمن والأمان والتعدّي الصارخ على حقوق الانسان في أبجدياته؟ 

ما الذي نفهمه من تصريح البعثة وتصريح الشرطة أكثر من التأكيد انهما شركاء؟ 

ومن هنا، أفكر، ان الدعوة الحقيقية التي يجب ان نبدأ بها اليوم هي مساءلة ومحاسبة هذه البعثات. 

ما هي التقارير التي يقدمونها لشعوبهم؟ كيف تتم عملية المحاسبة والرقابة في هذه البعثات وهذه الدول؟ 

هل التقارير المالية المحسوبة بإقامة ورشة عمل وبناء مقر وتمكين وتدريب أفواج كافية، وهي المؤشر على نجاح عملهم هنا؟

منذ مقتل نزار بنات فتح الخزان على مصراعيه. لم يعد القرع هو المطلوب، ولم يعد سؤال لماذا قرعوا او لم يقرعوا هو المهم، فلقد انكشف ما هناك من خفايا انغمرت في عتمة الخزان الحالكة.

الانتهاكات الصارخة التي يقوم بها الحراس تؤكد على فساد وجرائم يقوم بها من يعطونهم الأوامر، من يجلسون في أماكن أخرى تصل في تدريجها الى هذه الصورة التي تباهت بها الشرطة وعرضتها بعثة الشرطة الأوروبية والاتحاد الأوروبي. 

من السهل ان نلقي جام غضبنا على الشرطي الذي ينفذ الأوامر. 

من السهل كذلك المطالبة بمحاسبة عنصر نفذ او انتهك الأوامر المباشرة وغير المباشرة من مدرائه. 

هؤلاء ليسوا بالمجرمين الرئيسيين. 

ذلك العسكري \ الأمني \ بلباس مدني او رسمي لم يضرب ولم ينكل ولم يسحل ولم يسرق الهاتف النقال ولم يبتز المواطنين والمواطنات ولم يسب على امرأة ولم يراع زوجة مناضل ولم يحترم حرمة الانسان لأنه سيء. هؤلاء ضحايا بقدر المواطن الذي تم التنكيل به وسحله وضربه واعتقاله…. وقتله كما في حالة نزار وغيرها مما لم نسمع عنه او سمعنا وتغاضينا عنه في السابق. 

من يعطيهم الأوامر بأعلى الهرم هو المسؤول. الهرم الذي يبدأ بهذه الصورة: رئيس بعثة – على سبيل المثال كانت تمثل هذه الجهة هنا- مع رئيس جهاز. اتفقوا جميعا على ان الانسان الفلسطيني يمكن تدجينه وبالتالي المحافظة على الامن والأمان يقتضي ما يقوم به السجان من أفعال. 

بما اننا نتكلم عن سيادة القانون وغيابه إلا بما يمارس منه ضد الشعب، وبما اننا نتكلم عن انتهاك الحقوق والحريات الأساسية والمبدئية التي تمارسها هذه البعثات والدول التي ترسلها، فالمطالبة بالمحاسبة تبدأ من الجلاد وممكّنيه على حد سواء. 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading