تخطى إلى المحتوى

هل نصحى من حلم الوطن على حقيقة ان هذه البلد ليست بلدنا؟

هل نصحى من حلم الوطن على حقيقة ان هذه البلد ليست بلدنا؟ 

لا يبدو ان هناك أهمية لتقرير كاشف جديد يتبعه تقرير يعلن شارة عدم الأمان الحاصل. من تقرير الرقابة الإدارية الى تقرير امان. نتائج تقارير جعلت الناس تعتقد ان هذه تسريبات، لأنه لا يمكن ان تقبل السلطة ان تنشرها. 

الحقيقة انه عجيب السماح بنشر هكذا تقارير في سلطة شمولية يتسلم رئيسها التقرير بابتسامة الواثق. ولكن ربما، لأن هذه السلطة وصلت الى مرحلة لم يعد يهمها أي شيء. فلا تقارير ولا تسريبات تؤثر بها. فوسط صدمة الناس بما لا تزال تلك التقارير تكشفه يبدو ان الرد الوحيد الذي ارتأته الحكومة هو التصرف كأنها حكومة الشعب فقرر رئيس الحكومة الذهاب الى جنين وعرض مجموعة صور له مرة مع سيدة تحتضنه ومرة مع طفل ومرة عند فراش مريض ومرة مع مسن، والاهم هو عنصر التشويق في إيقاف قوات الاحتلال لموكبه على أحد الحواجز بتصريح يؤكد تسلط الاحتلال على هذه السلطة التي تبقي وجودها بسبب التنسيق الأمني الوثيق والمقدس مع الاحتلال. فكانت حجة الاحتلال ان رئيس الحكومة لم ينسق مسبقا لزيارته من رام الله الى جنين. 

الحقيقة، تبدو الحكومة أكثر محاصرة من الشعب، فنحن نستطيع التجول بين المدن الفلسطينية بحرية أكثر، فلا نحتاج الى تنسيق مسبق، يكتفي الاحتلال بإيقافنا على الحواجز. 

عرض الحكومة يبدو ممتدا، فأتخيل رئيس الحكومة ووزراءه تحت نفس الضغط المهدد لوجودهم بعد التسريبات الأخيرة للقاء مع المبعوث الأمريكي. فيبدو عدم الرضا والاستياء من الحكومة جليا وصريحا الان. وعليه، ربما رئيس الحكومة ووزراؤه قد بدأوا بسباق التزكية الشعبية التي يوهمون أنفسهم انهم يحظون بها. مشاهد هزلية تتكرر من رئيس حكومة الى وزراء، بين استعراضات بلا إنجازات وحضور فارغ الا من اعلان الولاء للرئيس الابدي طالما امر السلطة لا يزال بيده. 

كل يسعى لبقائه على حساب ما تبقى من فكرة وطن لم يعد المواطن يؤمن بها. 

فالمواطن العادي منا لم يعد له مكان بين سلطة فاسدة لا تأبه الا لمصالحها ووجودها المهدد الذي يجعل اربابها في حالة ريبة ورعب من مصيرهم القادم، فينهبون ما تبقى ويثبتون ما يستطيعون تثبيته من سرقات قد تبدو أهمها في تلك التي تدخل تحت تعريف أراضي الدولة. 

ما يجري بأريحا قد يكون مجرد مثال لعملية الترهيب والنهب الحاصلة. فقبل أيام اقتحمت الجرافات بيوتا لعشرات العائلات في النويعمة(بأريحا) وهدمت البيوت على أصحابها بلا حتى امر هدم او تحذير مسبق بالاخلاء. ما جرى بالنويعمة من هدم وترحيل لعائلات بلا أدنى اكتراث للرأي العام او مساءلة يؤكد ان هذه السلطة بأربابها تعيش اخر أنفاسها. فعندما يصل الامر ان يمارس الفلسطيني أدوات الاحتلال بهمجية لم يجرؤ عليها الاحتلال الا عند النكبة من اقتلاع وترحيل وتشتيت، فان هذه السلطة تعرف جيدا انه لم يتبق لها الوقت الا بنهب ما يمكن نهبه. 

النويعمة لا تبتعد عن أريحا، وبالأحرى تشكل جزءا من المساحة الواقعة عند جبل قرنطل حيث الأراضي التي تحولت من أراضي دولة الى أراضي خاصة يملكها رجال اعمال السلطة ويجري العمل على إقامة مشروع سياحي ضخم عليها. أراضي لا تختلف وضعيتها عن أراضي أخرى، تابعة ربما لنفس رؤوس الأموال ونفس الشراكات مع أصحاب السلطة كما جرى عند جرف الأراضي الاثرية عند تل المفجر على مقربة من قصر هشام[1].

اخبار السلطة الرسمية تركز منذ ظهور التقارير والزيارة الامريكية الاخيرة، على زيارات وانجازات الحكومة وعلى البرقيات التي بدأت تتوالى على رئيس السلطة من رؤساء دول العالم. لا بد ان هذه الحركة الإعلامية العبقرية هي جزء من انتصار وانجازات وزير الخارجية الذي يسابق ربما كذلك مع زملائه الوزراء ورئيسهم من اجل اثبات الاحقية ببقائهم بمناصبهم كالرئيس الى الابد.

برقيات تعيين سفراء وقناصل لدول أوروبية وجد اعلام السلطة من خلالها فرصة لتضليل الرأي العام بفكرة ان رؤساء دول العالم يتهافتون على برق الرئيس، خصوصا بعد التداول الكبير والذي أكد عليه الأمريكيون برفض بايدن اللقاء او الحديث مع أبو مازن. 

كلما اثير موضوع المصالحة وانهاء الانقسام، كما حصل في الآونة الأخيرة، يؤكد الرئيس على ضرورة التزام حماس من الناحية العملية بشروط الرباعية، الامر الذي من المعروف انه يعطل إمكانية المصالحة المطلوبة. -وهذا بالفعل ما خطّه على كتاب منيب المصري بتاريخ ٢٥-٨-٢٠٢١ عندما قال: “المطلوب من حركة حماس حتى تكون شريكة ان تعترف بشكل رسمي وبتوقيع إسماعيل هنية بقرارات الشرعية الدولية. وبدون ذلك فلا حوار معهم”-

وربما ما تم التداول به مؤخرا من استئناف مسار المصالحة، كان من اجل إرضاء الأمريكيين بعد اللقاء الصعب مع هادي عمرو ووعود باهتة من طرف السلطة بالالتزام، …حراك نحو إصلاحات ومصالحة. رئيس حكومة ووزراء يستعرضون بالشوارع وجودهم، ورئيس يغير قوانين، ويستقبل نقيبة المهندسين التي اعتقلها ونكل بها قبل شهر أفراد أمْنه. في الوقت ذاته، يتم تشويه جدارية حملت صورة شهيد الرأي نزار بنات واعتقال شهود ونشطاء بقضية نزار بنات.  اعتذروا عن قتله بالعلن استحياء، وتزعجهم حتى صوره ولا يستطيعون كظم حقدهم. وتستعرض فتح بثوب الحرص على الفضيلة في بيت لحم بتخريب وتكسير وإطلاق نار بترويع مطعم اقام حفلة قرروا انها ماجنة ولا ترقى الى اخلاق هذا البلد الإسلامي. 

الحقيقة، لم يتوقع الناس ان داعش ستأخذ شكل التنظيم الفتحاوي بهذا البلد، ولكن كل هذا يؤكد على ان لحظة الانفجار السلطوي قد بدأت. انفجار سيؤدي بالتأكيد الى اندثار لهذه السلطة الفاسدة المتهالكة، ولكن الى اين ستؤول احوالنا نحن الشعب الذي لم يعد له مكان في هذه المعضلة المأساوية من الحياة، احتلال وفساد واضطهاد مزدوج وتعصب وترهيب سيغطيه قبول مجتمعي تحت اسم الدين وتعاليمه. 

عنف يبدأ بالسلاح وينتهي بتفحيط سيارات بالشوارع وكأن الغالب هو الهمجية والعنف والتشويه لكل ما هو حضاري انساني.

فوضى لن يستطيع فيها المواطن التمييز بها بين القضايا المهمة والقضايا الهامشية التي تجتاحه في أثرها الكارثي من حرق وضرب وقتل. 

اين يذهب المواطن الذي عاش حياته يناضل ويقاوم من اجل بقائه ليجد نفسه محاصرا فوق حصار الاحتلال واضطهاده، تحت اضطهاد وفساد وترهيب وقمع سلطة رسمية وبلطجة مسلحة بالسلطة والسلطوية؟ 

هل يعقل ان الحقيقة التي يجب ان يعترف بها كل من بقي لديه بعض التمييز لما يجب ان تكون عليه الحياة الكريمة ان هذا البلد بالفعل ليس الوطن الذي تخيلناه وحاولنا بناءه؟ هذا البلد، الذي يحاصره الاحتلال، أصحابه سلطة رعاياها هؤلاء الذين يشبهونها ويمثلونها. فهذه السلطة تمثل شريحة متحكمة، البعض فيها ينهبون الموارد ببدلات ومناصب، والبعض الاخر، ينكلون ويرهبون ويدعسون بالأرض ليسووها بمن فيها لسلطتهم. 

لقد قتلوا نزار كما قتلوا غيره من قبل وبقوا. سيقتلون آخرين ويبقون… لربما يرحل منا من لم يُقتل بعد، ويهاجر الى بلد يستطيع فيها على الأقل ان يأمن نفسه من هذا الجبروت الظالم الاعمى.


[1] https://www.raialyoum.com/نادية-عصام-حرحش-هل-رَجَمْنا-المُجون-ال/

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading