قطع رؤوس اسود المنارة نتيجة طبيعية لنظام يقطع حناجر الشعب…
ربما يعطينا مشهد قطع رؤوس اسود المنارة الحجرية المزيد من الريبة. او ربما نكتفي ببعض الاستنكار والكثير من الاستهزاء. ولكن ربما علينا الشعور بالرعب الحقيقي مما هو قادم. داعش التي عشعشت برؤوس الكثيرين لدرجة صار فيها الأسد الحجري صنما يعبد ووجب تحطيمه.
هل نعيد لذاكرتنا مشاهد “الاصنام” التي حطمتها القاعدة في أفغانستان وانتصرنا فيها للإسلام حينها؟ ام هل نقترب أكثر من مشاهد تحطيم “اصنام” الموصل وتدمر من قبل داعش؟ تحطيم لتاريخ وارث حضاري ربما بالفعل لا نستحقه. واسود المنارة تلك ربما تنضم الى الاصنام الحجرية لإرث التاريخ والحضارة وتصبح رمزا للجرذان التي طغت لتمثل واقعنا.
مع كل انهيار يجري بمنظومة الحكم السلطوية يقترب تفكيري من تشبيه الامر كطفح المجاري. طفح يرافقه خروج جراذين من جحورها القاتمة. هذا هو المشهد الذي رأيناه عند اسود المنارة التي تقطعت رؤوسها هذا الصباح. عندما يصل الامر بالمرء ان يرى الأسود اصناما يجب هدمها، فلا يمكن الا ان يكون هؤلاء جرذان خرجت للتو من جحورها لتعيث بما تبقى من سيادة للوباء والفساد افساد.
مؤسف ان يجد هؤلاء تحت اسم الدين سيادة لجحورهم، فيظلِمون نور الدين بظلام عقولهم المُظلمة. ولكن من المسؤول الحقيقي عن هذه الدعدشة المعششة في عقول الناس؟
لم يكن الدين ابدا مكانا للتخلف ولا العصبية ولا الإرهاب ولا العنف. لم يكن ابدا ولن يكون من يمثل الدين أيا كان هذا الدين هؤلاء. ولكن سيادتهم دوما يكفلها نظام يسمح لهم بالتفشي.
ما الذي نتوقعه عندما يسود الظلم ويتفشى الفساد ويغيب القانون والمحاسبة، وتسود العشائرية والقبلية والمحاباة؟
ما الذي نتوقعه عندما يعيش المجتمع منفصما بين تدين اعمى وبين انفتاح بلا حدود. لا رقيب ولا حسيب الا القدرة على فرض سيادة ما، بموارد مالية تحكم كل شيء. يستطيع المرء في هذا البلد ان يكون داعشيا ويستطيع ان يكون ملحدا بالعلن إذا ما اقتدر. المال هو ما يتحكم ويسود بسلطته على الجميع. المال السياسي الذي يتغلغل وسط نظام منغمر في فساده مستعد ان يستخدم كل الأساليب لبقائه.
كما حصل عند الهجمة على سيداو التي لو كانت تمثالا لتم تقطيعها اربا لنصرة الدين بتحجيم أكبر للمرأة، نقف اليوم امام نفس التعصب الذي يقف ربما المهاجمون ضد سيداو في صدمة امامه.
من ترك الهجوم على سيدوا ليسود هكذا؟ النظام الذي يريد ان يلهي الشعب بأمور تنسيه القضايا المهمة بينما يسود الفساد. فيصبح ما يظهر من شعر المرأة قضية شرف، بينما تضيع الأراضي بين مستوطنات واملاك دولة.
يصبح قتل امرأة او ضربها او خطفها امرا لا نسمع عنه، لأنه سيتم قتل وضرب وخطف مواطن دق الخزان على خطورة الوضع الذي يسلبنا كرامتنا وحياتنا بينما يسلبنا يوميا من مواردنا للحياة الكريمة بين محتل ومنتفع من الاحتلال باسمنا.
تختلط الأمور ببعضها، ليصبح الحفاظ على المجتمع من خلال عورة امرأة وتكسير مرافق خاصة او عامة وتحطيم تماثيل. كل ما يمثل حضارة يبني من خلالها الانسان انسانيته تصبح منوطة بكلمة “الله أكبر” يحددها ويقررها نظام يتهاوى بعناصره فوق الأرض وتحتها.
كثيرا ما أحاول التفكير بجدوى ترميم هذه السلطة. أحاول قبول فكرة بناء مشروع دولة تحت احتلال كأضعف الايمان. أفكر ما الذي سيحدث بكل من رجعوا، وأفكر بهذه المؤسسة التي تعيل مئات الالاف من الافراد من خلال وظائف الدولة. في كل مرة أفكر انه ربما علينا العمل على الإصلاح بقدر ما يمكننا ان نصلح على الرغم من وجودنا تحت الاحتلال. أتأكد أكثر في كل مرة ومع كل مصيبة وكارثة تحل علينا، انه لا يمكن اصلاح ما هو فاسد. فنحن تعدينا حتى التفكير بإعادة بناء ما هو مهدم او يحتاج الى ترميم. لم يعد هناك ما يمكن إعادة تدويره من هذا الدمار الحاصل لنبني عليه.
كمن يستمر في فتح المياه بمواسير يعرف جيدا انها مليئة بالأوساخ والمخلفات. طفحت الاوساخ علينا.
كنت اظن بالسابق ان داعش لن تقترب الينا، لأن الاحتلال لن يسمح بتهديد امنه وامانه. ولكن داعش لا تحتاج ان تأتي الينا من الخارج. فالعنف المسلح الذي نشهده في السنوات الأخيرة وسط غياب الامن وتخصيص منظومة العدل لقرارات الرئيس من اجل بقائه وبقاء زمرة الملتفين حوله، لم تتأثر منه إسرائيل ابدا. فالسلاح الفلسطيني يستخدم للعنف الفلسطيني. تنظر الينا إسرائيل مستهزئة ضاحكة قائلة ” فخار يطبش بعضه”.
في السابق كان للمتأسلمين شكلا محددا بلحية ربما وعمامة. ربما كان خطابهم دعويا تكفيريا باسم الله. ولكن اليوم هؤلاء يتفشون من كل اتجاه تحت اسم السلطة بأشكالها التنظيمية السلطوية الفاسدة التي سمحت وسط سيادة المال بسيادة السلاح والعكس.
كما حصل قبل يومين ببيت لحم عند الهجوم على المطعم والاستئثار بالفعل تحت اسم الدين والوطن. حصل الامر نفسه عندما منع وزير الثقافة قبل سنتين عروض الرقص في مهرجان، كما أوقف العرض الراقص وسط مسرح جامعة النجاح. ما حصل اليوم هو نتيجة بديهية بغياب الثقافة وتجريدها من معانيها، كما التعليم والتربية وكل شيء في هذا البلد المتهالك.
عندما يصبح الدين وسيلة الحاكم للسيطرة بالمنابر، وتخرج الفتاوي بتكفير من يعترض على السلطان، طبيعي ان يخرج سفيه ليحطم الاصنام التي تتجسد برؤوس اسود المنارة.
قد يكون هذا ثأر الحضارة على يد هذا الشاب المنتقم من الاسود للثيران بألوانها الثلاثة التي ” اكلت يوم اكل الثور الأبيض” في ذلك النص الذي علموه لنا بالمدارس عندما كان للتعليم اثر.
ربما هذا ما نستحقه…. ان تحكمنا داعش. لأننا رضينا ونرضى ان نعيش بوطن ساده الفساد، ففسدنا وافسدنا فانقضت علينا جرذان المجاري المتربصة.
أحد المعلقين على حدث اليوم: انا مع قطع رؤوس كل الأسود لان هناك اسدا واحدا فقط: الرئيس!