التعليم وانهيار قلعة المجتمع الأخير الا من جودي اللي عامل دوشه
من السهل ان نفكر ان شيئا ما حدث في هذا العالم فضرب كل المعايير فجأة ولعب بجينات البشر وأثر على الاعصاب الخاصة بالتفكير والعقل، وعليه نعيش ما نعيشه اليوم.
ولكن من الصعب ادراج ما يجري من احداث ووضعها في خانة واحدة لفهم كيف تتدهور الأمور. فالوضع ككرة خيطان متشابكة معقدة لا تكاد تمسك بطرف خيط حتى تواجهك عقدة متشابكة بعقدة. ولكن في الأسابيع الأخيرة ومع بداية الصيف ربما نستطيع ان نمسك بخيط التعليم ونتابعه وعقده الكثيرة:
انتهاء العام الدراسي وحرق الكتب المدرسية وسط الشوارع.
امتحانات التوجيهي والغش، وتسريب الأسئلة، والاسئلة التعجيزية، والغريبة.
الهجوم على مهرجان مسرح عشتار والاعتداء على الدمية والألوان والفنانين، والفنانات بالضرب، والسحل، والسب.
جودي أبو عيشة ومطربي المهرجانات
حفلة\مهرجان جودي في مخيم بلاطة
اعلان موعد نتائج التوجيهي
تأجيل موعد نتائج التوجيهي
رئيس الوزراء يعلن موعد نتائج التوجيهي الجديد
اعتراض الطائفة السامرية على موعد اعلان النتائج لانتهاك حرمة السبت لديهم
معالجة الامر بإعلان ان الطلبة السامريين عددهم ستة ويمكن ترتيب استثناء لهم.
اعلان النتائج بصورة بنات محتفلات على ظهر سيارة
تصحيح الإعلان بصورة لشباب يحملون بعض على الظهور
بين الإعلان السابق والاعلان اللاحق رأينا المجتمع بطريقة حفلات بشار مراد وسما عبد الهادي (استخدم اسم بشار وسما سبيل المثال فقط)، والأخرى بطريقة حفلات جودي أبو عيشة.
إذا ما أردنا ان نلخص مشهد الشباب الفلسطيني يمكن لنا ان نلخصه في فريقين: فريق بشار وفريق جودي. فريق تعلم في مدارس خاصة واجنبية وفي جامعات اجنبية ويتكلم الإنجليزية، وفريق تعلم في مدارس حكومية وجامعات محلية ولا يتكلم الإنجليزية.
في الحالتين ينشأ فريق لا ينتمي الى المجتمع الذي نظن انه مجتمعنا. فلا يمت هذا الفن ولا ذاك لما يريده المجتمع من افراده بصلة. مجتمع يدعي محافظته على بنيته ونسيجه من خلال ثقافته، وحضارته، واعرافه، وتقاليده. فلا هذا يحافظ على هويته هذه ولا ذاك.
لا تزال كلمة “ديسكو” من حفل النبي موسى تدوي برأسي. من ظن ان تلك حفلة ديسكو هو نفسه من نطنط على إيقاع مهرجان جودي. لا فرق بين المشهدين. مشهد يقدم حفلات تكنو بالبارات والملاهي ومشهد يقدم مهرجانات شعبية وسط النهار وسط الشارع. من يهيمن هو من يملك الشارع، ومن يملك الشارع هو ذلك الذي لا تعليم له ولا علم يحمله الى مكان اخر.
أصحاب التكنو يعملون بالنهار في مؤسسات تدفع لهم الالاف بسبب شهاداتهم وواسطة اهاليهم ويسهرون بالليل. وأصحاب المهرجانات يأتون وثقافة ” جاه عليكم الله اعطوني ساعة صمت”.
ما الذي نتوقعه من الشباب؟ إذا ما كان اعلان وزارة التربية والتعليم ينادي بهذا النوع من “المهرجانات” و”الحفلات”. وزارة وحكومة مترددة لا تستطيع ان تجد صورة تعبر عن شكل التعليم ونتيجته والتعبير عن الفرح. فما الذي اتوقعه من بشار او جودي؟
وهنا لا أتوقع من الوزارة أي شيء، فنحن لا نعرف لماذا يعلن رئيس وزراء ما على وزارة إعلانه؟ ولماذا يقرر رئيس وزراء الموعد ولماذا يقرر الاستثناء؟
الطائفة السامرية التي يتوازى عمرها عمر حضارة هذه البلاد، لم نكن يوما نشعر بثقلها، لتتحول فجأة لأرقام. ماذا يعني ستة طلاب لطائفة يبلغ تعداد افرادها حوالي ال ٣٠٠ بالنسبة لحكومة؟ لو نظرت الحكومة الى الشعب كمواطنين لا ارقام، لفهمت ان هؤلاء الستة يشكلون بالغالب مجمل عائلات هذه الطائفة. مما يعني ان الامر يهم الطائفة بأسرها. ذكرني الإعلان بقرار مدرسة شميدت قبل أعوام بتخريج البنات المحجبات “استثنائيا” بمكتب المدير وعدم مشاركتهن الحفل العام بسبب الحجاب.
أفكر بهذه المهزلة الجحيمية في وضعنا، واستمر بسؤالي متى وصلنا الى هنا؟
هل المشكلة بالحكومة الحالية؟ ام انها مشكلة متراكمة من الحكومة السابقة؟ إذا ما نظرنا الى التعليم، فما ظنناه الأسوأ على الاطلاق في وزارة “الإنجاز” يبدو إنجازا حقيقية مقارنة بما يحدث الان في وزارة التربية والتعليم؟ يبدو انه لا يوجد وزارة على الإطلاق، منذ متى وتسرب الامتحانات؟ منذ متى وتغلغل الغش بهذه العلنية؟ منذ متى لا تستطيع لوزارة البت في وموعد اعلان نتائج؟ منذ متى ورئيس الحكومة يعلن موعد النتائج؟
ام ان ما يحصل بوزارة التعليم يحصل بالحكومة نفسه، فنسأل كيف يغيب دور الحكومة من كل شيء الا توافه الإعلانات التي يتم التسابق عليها للقول انها هنا، او التسابق على شجب واستنكار قدم عليه الاحتلال من جريمة قتل أخرى او مصادرة لأرض او تعدي مستوطنين او بناء مستوطنة؟
ربما منذ ان مر حل المجلس التشريعي بلا أي صدى الا مزيدا من التهكم من جانبنا، لنا الحق، فماذاا يعني بالنسبة للشعب حل مجلس تشريعي مجمد معطل منذ سنوات؟
ربما منذ مر تشكيل المحكمة الدستورية بلا أي اعتراض الا على الأسماء لا على المبدأ وصلاحية صنع القرار، وجدنا أنفسنا في هذه اللحظة التي صارت القرارات بقوانين كشرب الماء، لا تتوقف ولا يمكن الاستغناء عنها. بل صارت هي الطريق الوحيد لتنفيذ المطالب وتطبيق القانون. القانون الذي يقرره الرئيس.
فلا دور للحكومة او تأثير الا على وزرائها. وبما اننا في موسم التوجيهي فوزارة التعليم هي الوزارة الجاذبة اليوم.
ولا سيادة لقانون ولا دور لقضاء الا ذلك الذي يسوده قضاء رئاسته.
ثم ننظر حولنا ونفهم لماذا عالم جودي هو العالم الأكثر فاعلية….
للشعب الذي لم تؤهله حياته او اوساطه للتواجد في “ديسكو” المجتمع السلطوي بكافة اكنافه، له فرصة بالنطنطة والطنطنة والهز والدفع والصياح والتغريد والتنشيز والحمل والرفع وتسلق الأشجار والوقوف على أعمدة الكهرباء والتجمع والغناء بصوت واحد جودي عامل دوشه… فدوشة جودي تفرغ الطاقة وتملأ ضبابية العقول وتمسح التفكير والتركيز بنطنطة مؤقتة تجمع بين ركوب سقف السيارة وركوب ظهر صديق بلا حاجة لمخدرات، او حشيش، او تذاكر دخول، او لبس خاص. يردد كلمات تحاكي الواقع كما هو بسخافته وسفاطته وهشاشته: ” جودي اجا يعمل دوشة وقلبان كالعادة…يلا جنوووو معي ع الاكشن والسعادة…نحن مهما غبنا ابطال الساحة يا سادة رقم واحد دايما.. قولوا بيا قولو بئااااا.. فوتي أقول لابوكي جودي أبو عيشة بحبوكي.. جاي مجهز حال عايز ان تبقي حلالي.. يرخص الغالي عليكي جاي على غفلة ويرخص الغالي وارجع تاني اقولو” …
جودي يشرح حتى كلمات اغنيته لمن لا يفهم كلماته: “لو لسة ما تعرفنيش اسأل عني يا درويش والا انت من المطاريش.. اطنطنط وما تعصبنيش…طنطنطنطنطنطيط”
جودي مكس لكل أغاني المهرجانات الهابطة والمرتفعة التي حاربها هاني شاكر على مدار سنوات ليعلن استقالته بالنهاية. فيتربع جودي ويزاحم شاكوش وحمو بيكا وعمر كمال ويهنئه ويشيد به محمد رمضان. الشارع الفلسطيني صار ينطنط في مخيماته بالإضافة الى مقاومته!!!
النطنطة مقاومة الشارع الجديدة.
نحن نقف امام وضع لم يعد بالإمكان وضع يدنا على مكان الجرح لنوقف النزيف، فالجروح انتشرت في الجسد. فلا رئيس الحكومة مسؤول، ولا وزير التربية والتعليم مسؤول، ولا المعلمون مسؤولون، ولا الاهل مسؤولون، ولا الشباب يمكن بالتالي مساءلتهم عن سبب هويهم الى هذا الانحطاط.
ربما الرئيس يتحمل المسؤولية لأنه يعطل عملية التشريع والشرعية ببقائه متمسكا متسلطا على كل مكامن السلطة، فانهار شباب الضفة وبدأ شباب غزة بحرق أنفسهم او رمي أنفسهم بالبحر.
في زمن كهذا، تنتشر الجريمة فيه ويزداد العنف بسبب كل ما نعيشه من مؤثرات عالمية حولنا، نحتاج لأكثر من أي وقت الى سيادة حقيقية. سيادة تحكمها القوانين التي لا تفرق بين حاجة مسؤول ومواطن الا بالحق والاستحقاق. سيادة تحكمها شرعية يعطيها الشعب لرئيسه. سيادة لا تفرق ولا تمزق ولا تقسم الوطن والمواطن وتشتته بين ضفة واخرى، وبين فئة محكومة ونخبة حاكمة. سيادة تكون مؤسسة التعليم فيها للتعليم لا التجهيل. مؤسسة يتم إعطاء المعلم فيها احترامه وحقوقه ليستطيع ان يعلم لا ان يُسحق… فيَسحق معه الأجيال التي يبدو جودي صفوتها ( انا لا اتهكم هنا من جودي، فبالمقارنة بما نراه علي تكتوك وانستغرام وغيره، فهذا الشاب هو رفعة جيله)
كفاكم…. فلن يتبق منا ما تحكموه…الا جيوش جودي وأنصار سما وبشار…. وهؤلاء منتفِضون منفَضّون عنكم لا يروكم ولا يرون الا مستقبل عتم يحاولون اشتقاق بعض النور منه… لعلهم يصحون… او ننضم لهم وننطنط طنطيط او نكون من المطاريش طنطنطنطنطننططن.