تخطى إلى المحتوى

زمن الإنزلاق المتسارع إلى الحضيض

زمن الانزلاق المتسارع الى الحضيض 

كنّا على شفا حفرة من هذا الحضيض، ولكن “لو أننا” لن ترفعنا، ولن تُرجعنا الى تلك الحواف لنراجع أنفسنا، لنفهم أنّ “لعل وعسى” تحتاج مجهوداً، وتكاتفاً، ونيّة حقيقية للمراجعة. 

حياتنا على رمال متحركة لمستنقع سحيق، ما من مخرج من هذا. 

قبل سنوات كانت الاستغاثات والنداءات والمطالبات تبدو مجدية. إذا ما طالبنا بانتخابات، فلقد كان هناك بعض الامل في إصلاح. إذا ما استغثنا من خلل أو مصاب كان هناك بعض مساءلة ومحاولات محاسبة. إذا ما نادينا كان هناك من يحاول أن يغيث. ولكننا اليوم في حضيض مستنقع لا يهم كثيراً ان كنا أسفل أكثر، أو حاولنا العوم للخروج منه. لقد وصلنا الى قرار هذا الحضيض. ولننتظر، حتى تخرج شمس نهار تشرق لتجفف المياه الضحلة، وتطهر الينابيع أوساخنا. 

كم يمكن للظلم أن يستمر؟ 

كم يمكن للاستبداد أن يسود؟ 

يمكن…

يمكن أن يستمر الظلم ويمكن ان يسود الاستبداد لطالما هناك إمكانية لذلك. 

تتجمع الأمثلة والحكم في رأسي، فلقد اكلنا يوم اكل الثور الأبيض، لأنه كما نكون يولى علينا، فالله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. 

لن ينفع ان نطالب بتغيير حكومة غير شرعية لنظام غير شرعي، لأن الخلل فينا أصلا، يكفي لهذه المنظومة ان تعلن النية في تشكيل حكومة جديدة او تعديل وزاري ليلتهث البعض من اجل فرصة وينتظر الجميع الاستهزاء والتّهكّم مكتفين بالانتفاض بنكتة -اذا ما تجرّأنا-.

لن ينفع ان نطالب بانتخابات، فلقد رأينا النتيجة في المحاولة. قتل نزار بنات والاعدامات المتتالية والاعتقالات والترهيب المتلاحق صار حتميا. بدلا من ان يختبئ القتلة اختبأنا. بدلا من محاسبة الظالم ظُلمنا. بدلا من احقاق الحق سُحقنا. 

فالحق صوته خافت مسحوق وسط كل هذا القمع والاستبداد. 

لم نعد نفرق من العدو. نبلع مصابنا بصمت مرير. نبكي بحرقة لم تعد تبللها دموع. 

إضراب يعقبه اجتياح فقتل وقتل وقتل. 

نضرب اقدامنا في الأرض لننفض بعض الظلم لنصحو وقد ضربت أعناق شبابنا. 

لم نعد نميّز أي سلطة متسلّطة علينا أكثر. 

لم نعد نفرّق بين سلاح الاحتلال وسلاح المتسلّطين علينا.

لم نعد نأمن يومنا بين عنف مستوطن او جبروت متسلّط. 

لم نعد نستطيع ان نتفوه بكلمة او نعبر عن رأي لأننا نخشى القامع الأكثر ظلماً والمستبد الأكثر استبدادا والمجرم الأكثر إجراما في التسابق على سحقنا. 

وصلنا الى هذه النقطة الممتلئة بدمائنا على تراب دنّسته هراواتهم وطلقاتهم وقنابلهم. ننتظر فرجاً بتدخّل الله بين دعاء بصاعقة تصعقهم او كارثة تحل بهم او يتدخل امره لعزرائيل فيأخذ من يأخذه منهم. 

فلا أمن لنا معهم ولا أمل لنا منهم. 

بين سلطة احتلال واحتلال سلطة سيبقى الحال على ما هو عليه. سلطة تعيش على سلطة. 

احتلال يعتمد على وجود السلطة لبقائه، وسلطة تعتمد على رضى الاحتلال لبقائها. 

فلا تتأملوا بحرب أهلية عندهم… فالعدو الجلي لهم هو نحن. يتعثرون ويختلفون فيما بينهم، لينقضّوا علينا. ديمقراطيتهم ستبقى ديمقراطية مهما خدشت وتضعضعت، فأمامهم استبداد حكوماتنا من كلّ صوب. بين انتخاباتهم وانتخاباتنا عقود من الزمن لم نشهد فيها انتخابات، ومرات تلو المرات لانتخابات يجددون فيها ولاءهم لوجودهم على وجودنا. 

يستطيع شعبهم ان يخرج الى الشوارع ويحتج وينتفض، لأن المواطن عندهم يعرف انه سيرجع حتما الى بيته. إذا ما قمعه الجندي يمكن محاسبته. إذا ما اصابته عصا يمكن ان يلجأ الى القانون. يمكن ان يصرخ امام نائبه بالكنيست. يمكن ان يكتب بلا خوف. يمكن ان يستمر بالاعتصام بلا قلق على حياته. 

امّا شعبنا، فيضرب من اجل لقمة العيش فيقمع من كل اتجاه، شاحنة تعترض الطريق، او حواجز تفتيش، او محاكم تأديبية، او قطع رزق من كل اتجاه ممكن، او اعتقال او خطف او سحل، او اجتياح يودي بحياة كل من تطاله رصاصات جيش الاحتلال. لنصب غضبنا وسخطنا على احتلال غاشم لن يتوانى عن قتلنا كل ما استطاعت رصاصاته الى قلوب أبنائنا سبيلا. فلكل جثة منّا، وساماً لهم. 

ثم نلملم آلامنا من جديد لنصحو على ظلم السلطة من فساد طال لقمة البسطاء، فلا المعلم يستطيع ان يقف امام طلابه بينما معاشه لا يكفيه مواصلات، ولا الطبيب، ولا المحامي، ولا المهندس ولا العامل يستطيع اللحاق بهول القيود والالتزامات امام منظومة تدير وجودها من لقمة عيش الشعب من كل اتجاه. 

فنجمع أنفسنا من اجل حراك، او اعتصام، او اضراب، او مجرد محاولة لقول كلمة حق، لتضرب بأبنائنا اجتياحات الدبابات وتكْلَم قلوب الأمّهات والآباء والأحبّة مرّة أخرى، لنتجّمع في جنازة نصبّ فيها دموعنا غضباً، وحزناً، وألماً، وقهراً لا ينتهي في قلوب حرقها قهر الظّلم المستمر. ونمشي حاملين نعشاً بتحسّب، وقلق، وهلع من أن يقع وسط هراوات جنود الاحتلال، او وسط هراوات وقنابل عساكر السّلطة. 

ماذا نتوقع بينما يحرص على بقاء مستنقعنا لنستمر في الانزلاق، النتن ياهو وابن الغفير؟ 

فلن تنتهي الحرب التي حيكت على لسان محمود درويش خطأً، لأنه كما قال فعلاً: “في كل يوم لنا جثّة، في كل يوم لهم أوسمة.”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading