سلام فياض وعنق الزجاجة السلطوية المخنوق
منذ عودة المبعوث الأمريكي هادي عمرو من جولته الأخيرة للمنطقة وقبل ان تصدر السفارة الامريكية بيانها الخاص بتلك الزيارة، كانت الصحافة الفلسطينية نقلا عن الاخبار الاسرائيلية (التي اشك ان يكون رآها أحد بالفعل، وان كانت موجودة لم تحمل كل هذه التفاصيل، وان حملت هذه التفاصيل لا يمكن التعويل على مصداقيتها) تتزاحم في نقل خبر لقاء هادي عمرو بالرئيس الفلسطيني او الرئاسة الفلسطينية. طبعا، لم تنقل لنا أي اخبار من الجانب الرسمي الفلسطيني، الذي ربما بسببه يمكن التخمين ان الزيارة لم تكن ودية.
اليقين الوحيد في هذه الاخبار التي لم يتم توقف تناقلها والذي تصدر سلام فياض عناوينها، وكأن اسمه كرت الجوكر الذي يجذب القراء في كل مرة تغلق السبل امام إيجاد الرجل الذي يمكن ان يعبر بالسلطة الفلسطينية خط النجاة الأخير. على ارض الواقع يتنفس الفلسطينيون بعض الصعداء، لأن اسم سلام فياض يجلب بعضا من اسمه على وعي الفلسطينيين (طبعا بالإضافة كونه جالب القروض والنيوليبرالية وفارض الضرائب)، فلا فيض الا المصائب في واقعنا، وبعض سلام قد يجلبه امام قلة او شح الأسماء التي يمكن ان يتم التعويل عليها.
ولا أقول هذا مديحا لسلام فياض، بل حزنا حقيقيا علينا. ان هذا الوطن الكبير لا يوجد اسم واحد آخر يمكن التفكير به عندما تجتمع التناقضات الفلسطينية: فتح وحماس. وعند التفكير بشخص غير فاسد يمكن ان يحمل عبء المرحلة بدون ان يحمل استحقاقات المرحلة المادية الى جيبه الخاص. والاهم تبقى معضلة التوافق العالمي على شخص سلام فياض بأنه عاقل، محترم، ومفكر. هذه المعضلة التي يتم تشويه شخص سلام فياض فيها واستخدامها كنقطة ضعف ضده في كل مرة. وكأن وجود سلام فياض يعني اجبار امريكي على السلطة.
كمواطنة، ومحللة لحياتنا الفلسطينية، اعرف جيدا ان سلام فياض هو الحل السلمي الآمن لنا، وهو سلم النجاة للسلطة من انهيار وانتهاء مؤكد. ولكن كثيرا ما أتساءل، لو كنت مكان سلام فياض هل اقبل ان أكون في هذا المكان الذي يدرك جيدا انه قد تم صلبه والاستعداد دوما لرجمه ليس بكونه المسيح، ولكن كأحد المجرمين المعلقين بساحة الصلب.
يراد من سلام فياض ان يمشي مكبلا بالصليب، ولكنه ابدا لن يكون كالمسيح. هو رجل أمريكا مهما قدم.
الحقيقة، انني لا افهم لماذا نخاف من كلمة أمريكا، او إسرائيل حتى، فهل هناك ما يمكن ان يجري بدون موافقة أمريكا على كل شيء- وهذا يعني إسرائيل؟
لنعود قليلا الى التقدم الحقيقي في عنق هذه الزجاجة المأزوم حتى الخنق.
بيان السفارة الامريكية، وهي الحقيقة الوحيدة التي سأستخدمها هنا للتحليل والتفكير، بالإضافة الى ما نشر على المواقع بدءا مما قيل عن نقله عن أحد المحطات الإسرائيلية وتحديدا بجريدة الاخيار اللبنانية الذي تصدر اسم سلام فياض عناوينه.
أولا، اهم ما نفترض اننا نريده من أمريكا هو الالتزام بتعهداتها او وعودها قبل أشهر ليست بعيدة: ماذا بالنسبة لإعادة فتح القنصلية في القدس؟ طبعا لن أتكلمعن موضوع السفارة التي يشرع في بنائها على أراضي مصادرة لأهل القدس الذي تصدر رأس الصفحة في البيان: ” السفارة الأمريكية في القدس “
سأضع في ذيل هذا المقال رابط البيان كما هو لأزيح أي لبس عن فهم ما حصل من هذه الزيارة “المهمة” التي لم نسمع عنها الا عندما انتهت وخرج اسم سلام فياض من صندوق العجب.[1]
المهم، تضمنت تلك الزيارة لقاءات مع المجتمع المدني الذي تغيرت وتيرة مواضيعه هذه المرة لتتناول مسألة أخرى غير تسهيل حياة الفلسطينيين من الطبقة الرأسمالية وبحث افاق توسيع اعمال التجارة لديهم.، فاجتماعاته السابقة حملت عناوين التنمية الاقتصادية، ولكنها ركزت هذه المرة “على أهمية حقوق الإنسان، فضلاً عن الحاجة إلى توفير الأمل والفرص والأفق السياسي خاصة للشباب. كما ناقشوا التحديات التي يواجهها النشطاء والصحفيون في حرية التعبير والتظاهر السلمي.”
المهم في البيان ان المسؤول الامريكي “أخذ هذه الآراء والأفكار بعين الاعتبار خلال اجتماعاته مع المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث ناقش أيضًا قضايا تتراوح ما بين الأمن وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتنمية الاقتصادية والأموال التي يتم دفعها للأفراد المسجونين على خلفية أعمال إرهابية، والطاقة والمياه والإغاثة الإنسانية في غزة. وقد سعت زيارته أيضاً إلى إيجاد طرق لإجراء تحسينات ملموسة للشعب الفلسطيني بهدف الحفاظ على رؤية حل الدولتين المتفاوض عليه.”
من هنا نفهم، ان مسألة انتهاك الحريات وحقوق الانسان لم تستطع الإدارة الامريكية التغاضي عنها وتجاوزها. والاهم هنا، ان الأجهزة الأمنية الفلسطينية لم تعد هي مصدر معلومات وعليه قرارات الإدارة الامريكية بشأن ما يجري بالواقع الفلسطيني.
وطبعا، لم يتساءل أحد عن معنى ومآل “الأموال التي يتم دفعها للأفراد المسجونين على خلفية أعمال إرهابية”. فالزيارة سعت الى ” إيجاد طرق لإجراء تحسينات ملموسة للشعب الفلسطيني” وهذا تماما ما يتوافق حرفيا مع تصريحات بينيت بشأن العلاقة معنا. “بهدف الحفاظة على رؤية حل الدوليتين المتفاوض عليه”. لا اعرف ان كانت هذه العبارة معترضة ام محاولة لأمريكا بحفظ ما تبقى من كلمات لتسمع هي نفسها ان هناك بالأصل فكرة حل دولتين يجب ان تبقى كإطار سياسي حتى ولو كان هذه الإطار وهميا.
طبعا، ليس من الضروري ان يأتي البيان الصحفي بالتفاصيل التي خمنتها المصادر المختلفة. وليس بالغريب ان يكون هناك مصادر تسرب دائما ما يجري. ويمكن الفهم بالتأكيد انه إذا ما تم طرح مسألة انتهاك الحريات وحقوق الانسان، فان هذا يعني ان الضغط كان حقيقيا.
جريدة الاخبار اللبنانية التي حمل عنوانها “دعوة لحكومة برئاسة سلام فياض: واشنطن لعباس: انه الهزال وابدأ بالإصلاحات”[2]، جاء فيها ما يبدو انه تفكير متمنّى لا حقائق. والتفكير المتمنّى هذا يبدو وكأنه البديهي، ولكننا بالتأكيد لا نعرف مدى جدية الأمريكيين بتغيير الوضع القائم الذي يستمر بكونه الأفضل بالنسبة لإسرائيل منذ تأسيسها.
“تتزايد الضغوط الأميركية على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لبدء إصلاحات سياسية خلال الفترة المقبلة، تشمل تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة برئاسة سلام فياض، بالإضافة إلى الامتناع عن عرقلة الجهود المصرية – الأميركية لإرساء تهدئة في قطاع غزة، والتوقّف عن التهديد بالتراجع عن الاتفاقيات مع دولة الاحتلال. ووفق ما علمته «الأخبار»، من مصادر في السلطة، فإن مسؤول الملفّ الفلسطيني – الإسرائيلي في الخارجية الأميركية، هادي عمرو، حمل، في زيارته الأخيرة لرام الله، عدداً من الرسائل إلى عباس، بما فيها امتعاض الإدارة من طريقة إدارة الأخير للملفّات الداخلية، وتعامله مع ملفّ غزة ومع حكومة الاحتلال، خلال الفترة الأخيرة. وتضمّنت رسائل عمرو ثلاثة مطالب: أوّلها تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تحظى بإجماع داخلي، ولا تكون محسوبة على حركة «فتح» فقط – مثل الحكومة الحالية التي يقودها عضو اللجنة المركزية للحركة محمد شتية -، ويتمّ تشكيلها من شخصيات تكنوقراطية تحترمها كلّ الفصائل، بما فيها حركة «حماس»، وتحترم الحرّيات العامة، من دون اشتراط التزامها بشروط «الرباعية الدولية» التي ترفضها «حماس» منذ عام 2006، وأعاد عباس التمسّك بها في دعوته إلى تشكيل حكومة جديدة بعد معركة «سيف القدس.”
اعترف هنا، انه إذا ما كان هذا الكلام الصحيح فنحن على وشك بعض الانفراج المؤقت. باستثناء زج اسم فياض الذي اعرف جيدا ان أحدا لم يتكلم معه ولم ويشاوره ولم يلتق بأحد اثناء وجوده في أمريكا خارج إطار التعليم الأكاديمي الذي يشغله في جامعة برينستون حاليا. لأنه وبكل اسف، شخصية كسلام فياض يتم استغلال قيمتها الحقيقية (بفكره الاقتصادي والسياسي) في الجامعات الامريكية لا الجامعات الفلسطينية التي تتردد ان تدعوه لندوة.
فما نفهمه من هذه التسريبات التي قد تحمل بعض الحقيقة ان الوضع الحالي لا يمكن التعويل عليه. ان حكومة اشتية لا يمكن ان تقود هذه السفينة الغارقة الا نحو جزيرة قد يتعرض خلالها الإسرائيلي لبعض الانزعاج الا ما دك بقايا حطامها أطرافها. وعدم التمسك بشروط الرباعية، وهو الامر الذي يصر فياض على اسقاطه كشرط لتشكيل أي حكومة في كل حديث وفرصة.
ولكن الأهم هو ما غاب عن المطالبات الامريكية لتغيير حقيقي واجب، وهو الانتخابات.
ما نحتاجه هو انتخابات، تفرز قيادة حقيقية للمرحلة القادمة. لن اسميها مرحلة وطنية ولا تحررية ولا تفاوضية ولا غيرها من مصطلحات تعبويه. لن تنقذ أي حكومة تكنوقراطية- وحدة وطنية الوضع الا مؤقتا إذا ما كان لها هدف محدد وبسقف زمني واضح واكيد، وهو التحضير لإجراء انتخابات.
اذكر قبل عام واحد، بعد حديث مع الدكتور سلام فياض. حينها، لم يكن هناك افاق حديث عن انتخابات. فكرت ان المخرج الوحيد لأبو مازن هو استدعاء سلام فياض لتشكيل حكومة لينقذ ما يمكن إنقاذه من الكارثية الحاصلة. حينها، كنت لا أزال أفكر، ان أبو مازن يحتاج لبعض المساحة ممن يطوقون عليه مقاطعته ويؤثرون على تفكيره. اليوم، لم اعد أفكر هكذا. أبو مازن هو من يدير هذه اللعبة. هو من شكلها ومن أسسها ومن يقرر اللاعبين فيها. وهناك كل من حوله بالتأكيد من مستفيدين بشباك متعددة للمصالح التي تعتاش على كارثية الحال.
لا اعرف بالحقيقة، إذا ما كان التفكير بسلام فياض وعودته هو امل ببعض التغيير، ام هو شرك لسلام فياض من جديد لاستدامة حياة هذه السلطة المتهالكة؟ يأتي سلام فياض لبعض الوقت، يصلح ما يمكن إصلاحه من دمار، ثم يتخلصون منه كما في المرة الأولى بتهمة جاهزة من الآن: رجل أمريكا في المنطقة.
ولكني اعرف بالتأكيد، اننا بحاجة لما يمثله سلام فياض من عقل وفكر ووطنية حقيقية بالكثير من النساء والرجال لنبدأ بإصلاح الخراب الواقع على نفوسنا وعقولنا وقلوبنا، قبل ارضنا وكرامتنا ووطننا.
[1] https://il.usembassy.gov/ar/نائب-مساعد-وزير-الخارجية-للشؤون-الإسر/
[2] https://www.al-akhbar.com/Palestine/319727/دعوة-لحكومة-برئاسة-سلام-فياض-واشنطن-لعباس-أ-ن-ه-اله-زال-وابدأ-الإصلاحات#