جرائم قتل النساء…استباحة ام اعتيادية وسط كل هذه الانهيارات؟

جرائم قتل النساء… استباحة ام اعتيادية وسط كل هذه الانهيارات؟

استيقظنا اليوم على جريمتيّ قتل لنساء، إحداهما في احدى قرى رام الله التابعة للسلطة، والأخرى في احدى بلدات الشمال الفلسطيني التابع للاحتلال. الضحيتان قتلتا طعنا من قبل الزوج. الأولى، صابرين ابنة ٣٠ سنة. تركت وراءها أربعة أطفال. والثانية عائشة في العقد السادس من عمرها. والقاتل في الحالتين الزوج. يتردد ان القاتلين كانا متعاطيين للمخدرات. 

تأملت حالة الغضب التي اجتاحت التعليقات، بين مطالبة بإعمال قانون الاسرة واقراره، وبين لوم الاهل الذين يتركون بناتهم ضحايا لعنف وقتل الزوج السيء تحت شعار ” حماية الاسرة والأطفال”.

تذكرت كم من المرات كتبت عن جرائم القتل التي يروح ضحيتها الاناث تحت مختلف المسميات، وينتهي الامر بدية او منشد او فنجان قهوة. عشراتالضحايا على مدار السنوات الأخيرة، ولا رادع بغياب القانون او بحضوره. 

فلو كان الامر متعلق بغياب القوانين وعدم انفاذها كما في مناطق السلطة الفلسطينية، التي قامت بها قيامة سيداو ولم تقعد لمجرد طرح أمور المساواة على طاولة النقاش. فتبين ان بالمجتمع ما نجهله نحن المطالبون بالمساواة بينما يغيب الحق في الحياة للكثيرات. بينما زواج القاصر هو امر اعتيادي في بعض الأماكن، والتعدد من سمات بعض المدن والبلدات، والحرمان من الميراث يكون في أحسن احواله مراضاة الانثى او مساومتها “اخوك ام المال”. 

في العام الماضي في مثل هذا الوقت كذلك، هزت المجتمع الفلسطيني جريمتا قتل لسيدتين، احداهما وجدت مقتولة او ميتة او منتحرة لم نعرف ابدا ما آل اليه التحقيق في رام الله، والثانية بعرابة في احدى المدن التابعة لدولة الاحتلال. في ذلك المقال كتبت التالي:

“ما الذي يحصل بمجتمعاتنا؟ هل ما نشهده مجرد لوثة أخلاقية معترضة، أم أنّ حياتنا كانت هكذا دائماً، وما يحدث من مصائب نراها تقترب منّا يوميّاً سببه وسائل التواصل التي قربت البعيد، وكشفت المستور، وفضحت ما يدور بداخل الصدور وبالحفر والآبار ومكبّ النفايات؟ 

كنّا نهتز رعباً وغضباً عند السماع عن جريمة قتل تذهب ضحيّتها أنثى. لم يكن هذا الامر بعيداً، وكانت وسائل التواصل كما اليوم في زهوّها. قبل عام فقط، او قبل عامين فقط، او قبل ثلاثة أعوام على الأكثر، كانت هذه الجرائم ترعبنا، تؤرق منامنا، تجعلنا ننتفض، ونصيح في أعلى صوتنا مطالبين بالحماية وتفعيل القوانين. 

اليوم، قد نهتم أو لا نهتم لجريمة بشعة أخرى. لم نعد نميّز إن كانت الضحية أنثى أم ذكراً. فالجرائم على قدم وساق. ولكن تبقى جرائم العنف المجتمعي الاعتيادية أسهل للاستيعاب، على الرغم من بشاعتها ومأساويتها، الا انّها تصبح مفهومة مع كل يوم مع وضع كالذي نعيشه: انعدام الأمن والأمان، انتشار الأسلحة، وانعدام التربية، وتفشي السموم والمخدرات، وسوء الأحوال الاقتصادية وانهيار القيم الاجتماعية حيث كل شيء مستباح. فلا رقيب ولا حسيب. ولا أخلاق رادعة ولا قيم نحمل عليها مغبة هكذا انهيار. 

بينما أحاول الا يكون تركيزي على جرائم قتل النساء فقط، لأنه بالمحصلة، الجريمة هي الجريمة. والقتل هو القتل. وروح الانسان التي تزهق هي الخسارة الحقيقية بلا تفضيل لجنسها. ولكن، لا مع هذا، لا يمكن تجاوز ما جرى خلال يومين من جريمتين سمعنا عنهما بلا التوقف مرة أخرى أمام بخس حياة الأنثى في هذا البلد. او ربما لعل اقتراب الامر منا أرعبنا أكثر.. فهذه قصص ممكن أن تكون قصص قريبة منّا. ممكن أن تكون قصصنا أيضا.”

كنت عندها، ربما في وضع أكثر رفاهية في تفكيري. كنا نستطيع ان نفكر في التمايز بين الجرائم. كانت حصة الانثى هي الأكبر في سلم الجرائم المختلفة. اما اليوم، قد تكون جرائم اليوم قد هزت كياننا، ولكني اشك بكونهما الجرائم الوحيدة المرتكبة ضد النساء وسط هذا الكم من العنف المتفشي بالمجتمع. 

فاليوم، الاخلاق لم تعد مصابة ببعض اللوثات فقط. والعنف صار هو الغالب، والانفلات الأمني وغياب القانون هو الاعتيادي.

النسيج الاجتماعي لم يعد يحتمل بعد كل هذا الاهتراء ان يتحمل أي خرق. فالقتل صار امرا عاديا. لا حجة او تبرير مطلوب من قاتل. فاذا كان القانون الغائب يجعله يفلت من العقاب، فان القانون الفالت كذلك يجعله يأمن من العقاب. ولو كان هناك قانون، فالغلبة للعشيرة التي تنهي أكبر وأبشع جريمة بدية محددة الثمن. وفي كل الأحوال فان الرجل القاتل، ان لم يقتل من اجل غسل شرفه، فإنه يقتل بسبب وزة الشيطان له بساعة غضب، او جنون، او سفه، او تعاطي مخدرات. 

عذره دائما معه!

والمجتمع يقوم بدور النحيب بلا تردد. نحيب ولطم ولوم. لوم الزوج المعتوه. لوم العائلة التي لا تحمي اناثها. لوم القانون الغائب. لوم القبيلة التي تغسل الدم بدية. وننسى دورنا الحقيقي في هذه المآسي. ننسى اننا لا نقبل المرأة الا زوجة. ولا نقبل الأطفال الا وسط عائلة مكونة من اب وام يفصل بينهما فقط الموت. ننسى اننا نتستر على الظالم، وأننا نكون اول من ينقض على المرأة التي تقف من اجل حياتها ونصفها بالأنانية. ننسى اننا نطالب من المرأة ان تكون مضحية. ونبكيها عندما تصير الاضحية. 

اضحية نفاقنا كمجتمع دموعه لا ترقى الى دموع تماسيح.

اترك رد