تخطى إلى المحتوى

الرئيس عباس يرتدي قبعة جيفارا في خطاب الأمم المتحدة

لقد كان الخطاب الاممي للرئيس عباس الأخير ثوريّاً، جريئاً، وغير مسبوق لما تعوّد الناس سماعه من اعتقادات الرئيس وافكاره. لأول مرة اشاهد خطابا للرئيس كاملا على الرغم من طول مدته. ربما لأنه في كل مرة يقال لنا ان هذا الخطاب سيكون خطاب التفجير الأخير. على مدار أكثر من عشر سنوات ونحن نسمع في كل سنة خطابا ناريا تفجيريا يملأه الوعد والوعيد والانذارات من الحل والاحلال والتحلل من الاتفاقيات. هذه السنة بدا الكيل وكأنه قد طفح، ولكن ليس بعد…

أحيانا أتساءل، لم لا يخطب الرئيس هذه الخطابات لنا. فهذا الخطاب تحديدا لم يكن معدا للعالم الخارجي، لأنه كان في مضمونه ما شاهدناه وسمعناه من تسريبات او تسجيلات لخطاباته امام المركزية وغيرها من مجالسه، ولكنه مكتوب وبمعلومات مدروسة…تقريبا. 

لن أتكلم عما جاء في الخطابات من كلام كان يمكن ان يكون مهما قبل عقود طويلة من الزمن، كالمطالبة بتطبيق القرارات الأممية وتحديدا ١٨١ و١٩٤. كيف لمن بنى وجوده ورجوعه على ٢٤٢ وخطط أوسلو وأعلن على الملأ الإسرائيلي في مقابلة تلفزيونية انه تنازل عن عودته الى صفد ان يطالب بذلك. كذلك مطالبة إسرائيل بالاعتذار وتحمل مسؤولية جرائمها ومجازرها وتهجيرها للشعب الفلسطيني منذ قيامها. وقد تكون فكرة الاعتراف بالكل الفلسطيني والتصريح به بقدر هذه الأهمية، فنحن منذ ما يقرب من العقدين ممزقون بين الضفة أو القطاع من جهة، وأهملنا قوة الوحدة الفلسطينية التي تتعدى الحدود المبتورة التي نعيش في داخلها من جهة اخرى. 

ولن أقول ان ما جاء من اعلان قضايا عظيمة ترتكب في حق المجتمع الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي لم تكن مهمة: مسألة المؤسسات الست، الأسرى، القدس، المقدسات، أسرلة التعليم، الهجمة الاستيطانية، اعتقال الأطفال وقتلهم وجريمة قتل شيرين أبو عاقلة، الاسير ناصر أبو حميد، هدم البيوت، سرقة مياه الامطار وغيرها. كنت اتابع وأفكر، كيف وصلنا الى هنا؟ هل يحتاج الرئيس الى خطاب اممي لكي يجمع فيه مصائب الفلسطينيين ويعرضها على العالم؟ ماذا لو توقف في كل قضية وطالب حينها بجدية العمل على حلها وانهائها؟ 

لنقل ان ما فات مات، وكثرة الكلام ستكون فستق فاضي على حد تعبير الرئيس ولن نعمل هيصة وزنبليطة من كلامه لأجل الكلام. وبعيدا عن سقطات الخطاب التي كان أبرزها وصف ما قام به الأسير ناصر أبو حميد “بالجريمة” وسط استجداء واسترحام لكي تراه امه لدقيقة واحدة! 

الحقيقة أني فكرت لو كان الرئيس جديا في خطابه امام العالم، لاستخدم قضية واحدة وجعلها محور التركيز. على سبيل المثال، في هذا الوقت الذي نشهد فيه أسرلة المناهج في القدس ووقوع المدارس في شرك المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس، ووسط التلويح بمطالبة العالم بتطبيق القرارات الأممية من مجلس الامن والجمعية العامة واليونسكو، كان من الجدير التذكير والمطالبة بتطبيق القرارات بشأن حماية السكان والتعليم والمؤسسات والأماكن المقدسة وغيرها في القدس.

لو كان الرئيس جديا لجعل من هذه المسألة قضية مركزيّة وطالب العالم بالتدخل الفوري لحلها ووضع إسرائيل امام مسؤولياتها بدفع ما هو حق المدارس والطلاب من موارد مالية وبنيوية بدون ابتزاز وفرض مناهج تمسح الهوية وتشوة الذاكرة وتمسخ الانسان. القرارات والتوصيات الكثيرة بهذا الصدد واقعية ويمكن تطبيقها. يمكن المطالبة بها وجعل الحق في التعليم المناسب للهوية العرقية والاثنية الخاصة بشعب تحت احتلال قضية العالم الحاضر امامه. وضع إسرائيل امام مسؤولياتها كدولة احتلال. الضم القسري للمدينة والاستيطان داخل الاحياء العربية والقطار الهوائي وتسوية الأراضي والعنصرية الواضحة بين تهجير طوعي وقسري واستيطان وتسريب عقارات في مسألة الإسكان والهدم والهويات ولم الشمل وفرض شروط لمن يحب وكيف يحب مؤخرا والفصل العنصري.

ولكن، ثورة الرئيس في خطابه كانت انقلابية الطابع استجدائية المطالب. تحول الوضع من مطالبة إسرائيل لنا بالجلوس على طاولة المفاوضات لنستجدي المفاوضات والجلوس والسلام معهم. مطالبتهم بالاعتذار امام التلويح بالذهاب للمحكمة الجنائية الدولية.

المحكمة الجنائية!!! كم مرة بتم التلويح بالذهاب اليها وكم مرة فتحت ملفات بالفعل؟

اين تهديد الرئيس بحل السلطة؟ وماذا جرى بالمدة التي منحها للعالم في مثل هذا اليوم من السنة الماضية؟ اين طلب الانضمام للأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية؟ 

هذا ما ظنناه او انتظرناه من خطاب الرئيس. ولكنه قدم عرضا على طريقة ” الزعيم”. استفاض وزاد بين دور الضحية باستجداء واستضعاف وقلة حيلة وامكانيات ومعايير العالم المزدوجة ضدنا امامهم من جهة، ودور الحاكم بأمر نفسه الذي لا يقبل ان يملي عليه أحد ما يقوله وما يأخذه من قرارات. 

فبين رمي وزر عدم اجراء انتخابات على إسرائيل وكل من يدعمها، وجهوزيته لذلك، وبين خطاب عن الامن والأمان الا من إسرائيل بينما كانت أجهزة السلطة تنشر قناصيها على الاسطح بمدينة نابلس ضد المواطنين، بدا خطاب الرئيس فارغا الا من شعارات تعبوية لمن سيصفق له من الحضور في القاعة شبه الفارغة. خطاباً شعبويّاً لا يجيب حتى على اسئلته الكثيرة التي كرر سؤالها بين كيف وليش ولماذا.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading